تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٢٦٥
لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فإنه قد شق علي النوم فلما كان تلك الساعة جاء فلم يأذن له الرجل فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها فإذا هو في البيت يدق الباب من داخل فاستيقظ فقال يا فلان ألم آمرك فقال أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما هو أغلقه وإذا الرجل معه في البيت فقال أتنام والخصوم ببابك فعرفه فقال أعدو الله قال نعم أعييتني ففعلت ما ترى لأغضبك فعصمك الله مني فسمي ذا الكفل لأنه تكفل أمرا فوفى به وقيل إن إبليس جاءه وقال إن لي غريما يمطلني فأحب أن تقوم معي وتستوفي حقي منه فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب وروى أن اعتذر إليه وقال إن صاحبي هرب وقيل إن ذا الكفل رجل كفل أن يصلي كل ليلة مائة ركعة إلى أن يقبضه الله فوفى به واختلفوا في أنه كان نبيا فقال بعضهم كان نبيا وقيل هو إلياس وقيل زكريا وقال أبو موسى لم يكن نبيا ولكن كان عبدا صالحا 86 (وأدخلناهم في رحمتنا) يعني ما أنعم به عليهم في الدنيا من النبوة وصيرهم إليه في الجنة من الثواب (إنهم من الصالحين) 87 (وذا النون) أي اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى (إذ ذهب مغاضبا) اختلفوا في معناه فقال الضحاك مغاضبا لقومه وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفا وبقي سبطان ونصف فأوحى الله إلى شعياء النبي أن سر إلى حزقيل الملك وقل له حتى يوجه نبيا قويا فإني ألقي معه في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل فقال له الملك فمن ترى وكان في مملكته خمسة من الأنبياء فقال يونس إنه قوي أمين فدعا الملك بيونس فأمره أن يخرج فقال له يونس هل أمرك الله بإخراجي قال لا قال فهل سماني لك قال لا فهاهنا غيري أنبياء أقوياء فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا للنبي وللملك ولقومه فأتى بحر الروم فركبه وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم واستحيا منهم ولم يعلم السبب الذي به العذابو كان غضبه أتفه من ظهور خلف وعده وأنه يسمى كذابا لا كراهية لحكم الله تعالى وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد فغضب والمغاضبة هاهنا من المفاعلة التي تكون من واحد كالمسافر والمعاقبة فمعنى قوله مغاضبا أي غضبان وقال الحسن إنما غضب ربه عز وجل من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلا أن يأخذ نعلا يلبسها فلم ينظر وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضبا وعن ابن عباس قال أتى جبريل يونس فقال انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم فقال التمس دابة قال الأمر أعجل من ذلك فغضب فانطلق إلى السفينة وقال وهب بن منبه إن يونس بن متى كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها بين يديه وخرج هاربا منها فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (فاصبر كما
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»