تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٢٦٧
(وكذلك ننجي المؤمنين) من كل كرب إذا دعونا واستغاثوا بنا قرأ ابن عامر وعاصم برواية أبي بكر (نجي) بنون واحدة وتشديد الجيم وتسكين الياء لأنها مكتوبة في المصحف بنون واحدة واختلف النحاة في هذه القراءة فذهب أكثرهم إلى أنها لحن لأنه لو كان على ما لم يسم فاعله لم تسكن الياء ورفع المؤمنين ومنهم من صوبها وذكر الفراء أن لها وجها آخر وهو إضمار المصدر أي نجا النجاة المؤمنين كقولك ضرب الضرب زيدا ثم تقول ضرب زيدا بالنصب على إضماء المصدر وسكن الياء في (نجي) كما يسكنون في بقي ونحوها قال القتيبي من قرأ بنون واحدة والتشديد فإنما أراد ننجي من التنجية إلا أنه أدغم وحذف نونا طلبا للخفة ولم يرضه النحويون لبعد مخرج النون من الجيم والإدغام يكون عند قرب المخرج وقرأ العامة (ننجي) بنونين من الإنجاء وإنما كتبت بنون واحدة لأن النون الثانية كانت ساكنة والساكن غير ظاهر على اللسان فحذفت كما فعلوا في إلا حذفوا النون من إن لخفائها واختلفوا في أن رسالة يونس بن متى متى كانت فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنها كانت بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت بدليل أن الله عز وجل ذكره في سورة والصافات (فنبذناه بالعراء) ثم ذكر بعده (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) وقال الآخرون إنها كانت من قبل بدليل قوله تعالى (وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون) 89 قوله عز وجل (وزكريا إذ نادى ربه) أي دعا ربه (رب لا تذرني فردا) وحيدا لا ولد لي وارزقني وارثا (وأنت خير الوارثين) أثنى على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق وأنه أفضل من بقي حيا 90 (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى) ولدا (وأصلحنا له زوجه) أي جعلناها ولودا بعدما كانت عقيما قاله أكثر المفسرين وقال بعضهم كانت سيئة الخلق فأصلحها الله له بأن رزقها حسن الخلق (إنهم) الأنبياء يعني الأنبياء الذين سماهم في هذه السورة (كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا) طمعا (ورهبا) خوفا رغبا من رحمة الله ورهبا من عذاب الله (وكانوا لنا خاشعين) أي متواضعين قال قتادة ذللا لأمر الله قال مجاهد الخشوع هو الخوف اللازم في القلب 91 (والتي أحصنت فرجها) حفظت من الحرام وأراد مريم بنت عمران (فنفخنا فيه من روحنا) أي أمرنا جبرائيل حتى نفخ في جيب درعها وأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها وأضاف الروح إليه تشريفا لعيسى عليه السلام (وجعلناها وابنها آية للعالمين) أي دلالة على كما قدرتنا على خلق ولد من غير أب ولم يقل آيتين وهما آيتان لأن معنى الكلام وجعلنا شأنهما وأمرهما آية ولأن الآية كانت فيهما واحدة وهي أنها أتت به من غير فحل 92 قوله (إن هذه أمتكم) أي ملتكم ودينكم (أمة واحدة) أي دينا واحدا وهو الإسلام فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماع أهلها على مقصد واحد ونصب أمة على القطع (وأنا ربكم فاعبدون)
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»