نظر إلي فيرحمني ولا دنا مني ولا أدناني فأدلي بعذري وأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي فلما قال ذلك أيوب وأصحابه عنده أظله غمام حتى ظن أصحابه أنه عذاب أليم ثم نودي يا أيوب إن الله عز وجل يقول ها أنا قد دنوت منك ولم أزل منك قريبا قم فادل بعذرك وتكلم ببراءتك وخاصم عن نفسك واشدد أزارك وقم مقام جبار يخاصم جبار إن استطعت فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلي ولا شبه لي لقدمنتك نفسك يا أيوب أمرا ما تبلغه بمثل قوتك أين أنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها هل كنت معي تمد بأطرافها وهل علمت بأي مقدار قدرتها أم على شيء وضعت أكنافها أبطاعتك حمل الماء الأرض أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا تعلق بسبب من فوقها ولا تقلها وعم من تحتها حتى تبلغ من حكمتك أن تجري نورها أو تسير نجومها أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها أين أنت مني يوم نبعث الأنهار وسكرت البحار أبسلطانك حبست أمواج البحار على حدودها أم بقدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال هل تدري على أي شيء أرسيتها أو بأي مثقال وزنتها أم هل لك من ذراع تطيق حملها وهل تدري من أين الماء الذي أنزلت من السماء أم هل تدري من أي شيء أنشيء السحاب أم هل تدري أين خزائن الثلج أم أين جبال البرد أم أين خزانة الليل بالنهار وخزانة النهار بالليل وأين خزائن الريح وبأي لغة تتكلم الأشجار ومن جعل العقول في أجواف الرجال ومن شق الأسماع والأبصار ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين بجبروته وقسم الأرزاق بحكمته في كلام كثير من أثار قدرته ذكرها لأيوب فقال أيوب صغر شأني وكل لساني وعقلي ورائي وضعفت قوتي عن هذا الأمر الذي تعرض علي يا إلهي قد علمت أن كل الذي ذكرت صنيع يديك وتدبير حكمتك وأعم من ذلك وأعجب لو شئت عملت لا يعجزك شيء ولا يخفي عليك خافية إذ لقيتني البلايا إلهي فتكلمت ولم أملك لساني وكان البلاء هو الذي نطقني فليت الأرض انشقت لي فذهبت فيها ولم أتكلم بشيء يسخط ربي أو ليتني مت بغمي في أشد بلائي قبل ذلك إنما تكلمت حين تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني كلمة زلت مني فلن أعود وقد وضعت يدي على فمي وعضضت على لساني وألصقت بالتراب خدي أعوذ بك اليوم منك وأستجيرك من جهد البلاء فأجرين وأستغيث بك من عقابك فأغثني وأستعين بك على أمري فأعني وأتوكل عليك فاكفني وأعتصم بك فاعصمني وأستغفرك فاغفر لي فلن أعود لشيء تكرهه مني قال الله تعالى يا أيوب نفذ فيك علمي وسبقت رحمتي غضبي فقد غفرت لك ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم لتكون لمن خلقت آية وتكون عبرة لأهل البلاء وعزا للصابرين فاركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك وقرب عن أصحابك قربانا فاستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء ثم خرج فجلس فأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه فلم تجده فقامت كالوالهة مترددة ثم قالت يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلي الذي كان هاهنا قال لها هل تعرفينه
(٢٦٠)