تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٢٦١
إذا رأيتيه قالت نعم وما لي لا أعرفه ثم تبسم وقال أنا هو فعرفته بضحكته فاعتنقته قال ابن عباس فوالذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى مر بهما كل مال لهما وولد فذلك قوله تعالى (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر) واختلفوا في وقت ندائه والسبب الذي قال لأجله أني مسني الضر وفي مدة بلائه فروى ابن شهاب عن أنس يرفعه أن أيوب لبث في بلائه ثماني عشرة سنة وقال وهب لبث أيوب في البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما وقال كعب كان أيوب في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وقال الحسن مكث أيوب مطروحا على كناسة في مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا تختلف فيه الدواب لا يقربه أحد غير امرأته رحمة صبرت معه بصدق وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذا حمد وأيوب مع ذلك لا يفتر عن ذكر الله والصبر على ما ابتلاه به فصرخ إبليس صرخة جمع بها جنوده من أقطار الأرض فلما اجتمعوا إليه قالوا له ما حزبك قال أعياني هذا العبد أيوب الذي لم أدع له مالا ولا ولدا فلم يزد إلا صبرا ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة لا يقربه إلا امرأتته فاستعنت بكم لتعينوني عليه فقالوا له أين مكرك الذي أهلكت به من مضى قال بطل ذلك كله في أيوب فأشيروا علي قالوا نشير عليك من أين أتيت آدم حين أخرجته من الجنة قال من قبل امرأته قالوا فشأنك في أيوب من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها قال أصبتم فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق فتمثل لها في صورة رجل فقال لها أين بعلك يا أمة الله قالت هو ذاك يحك قروحه وتتردد الدواب في جسده فلما سمع مقالتها طمع أن تكون جلمة جزع فوسوس إليها وذكر ما كانت فيه من النعم والمال وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وأن ذلك لا ينقطع عنه أبدا قال الحسن فصرخت فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاها بسخلة وقال ليذبح هذه لي أيوب ويبرأ فجاءت تصرخ يا أيوب حتى متى يعذبك ربك أين المال أين الولد أين الصديق أين لونك الحسن أين جسمك الصحيح اذبح هذه السخلة واسترح قال أيوب أتاك عدو الله فنفخ فيك ويلك أرأيت ما تبكين عليه من المال والولد والصحة من أعطانيه قالت الله قال فكم متعنا به قالت ثمانين سنة قال فمنذ كم ابتلانا قالت منذ سبع سنين وأشهر قال ويلك ما أنصفت إلا صبرت في البلاء ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة أمرتيني أن أذبح لغير الله طعامك وشرابك الذي أتيتني به علي حرام وحرام علي أن أذوق شيئا مما تأتيني به بعد إذ قلت لي هذا فاعزبي عني فلا أراك فطردها فذهبت فلما نظر أيوب وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق خر ساجدا لله وقال رب (إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) فقيل له ارفع رأسك فقد استجيب لك اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها فلم يبق عليه من دائه شيء ظاهر إلا سقط وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان ثم ركض برجله ركدة أخرى فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج فقام صحيحا وكسى حلة قال فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من أهل ومال إلا وقد ضاعفه الله حتى ذكر لنا أن المال الذي اغتسل منه تطاير على صدره جرادا من ذهب فجعل يضمه بيده فأوحى الله إليه يا أيوب ألم أغنك قال بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها قال فخرج حتى جلس على مكان مشرف ثم إن امرأته قالت أرأيتك إن كان أيوب طردني إلى من أكله أدعه يموت جوعا ويضيع
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»