تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٢٥٥
فيكم قرأ أبو جعفر وابن عامر وحفص عن عاصم ويعقوب (لتحصنكم) بالتاء يعني الصنعة وقرأ أبو بكر عن عاصم بالنون لقوله (وعلمناه) وقرأ الآخرون بالياء وجعلوا الفعل للبوس وقيل ليحصنكم الله (فهل أنتم شاكرون) يقول لداود وأهل بيته وقيل يقول لأهل مكة فهل أنتم شاكرون نعمي بطاعة الرسول 81 (ولسليمان الريح عاصفة) أي وسخرنا لسليمان الريح وهي هواء متحرك وهو جسم لطيف يمتنع بلطفه من القبض عليه ويظهر للحس بحركته والريح يذكر ويؤنث عاصفة شديدة الهبوب فإن قيل قد قال في موضع آخر تجري بأمره رخاء والرخاء اللين قيل كانت الريح تحت أمره إن أراد أن تشتد اشتدت وإن أراد أن تلين تلين لانت (تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) يعني الشام وذلك أنها كانت تجري لسليمان وأصحابه حيث شاء سليمان ثم يعود إلى منزله بالشام (وكنا بكل شيء) علمناه (عالمين) بصحة التدبير فيه أي علمنا أن ما يعطى سليمان من تسخير الريح وغيره يدعوه إلى الخضوع لربه عز وجل قال وهب بن منبه كان سليمان إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الجن والإنس حتى يجلس على سريره وكان امرءا غزاء قل ما يقعد عن الغزو ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك أتاه حتى يذله فكان فيما يزعمون أنه إذا أراد الغزو وأمر بمعسكره فضرب بخشب ثم نصب له على الخشب ثم حمل عليه الناس والدواب وآلة الحرب فإذا حمل معه ما يريده أمر العاصفة من الريح فدخلت تحت ذلك الخشب فاحتملته حتى إذا استقلت به أمر الرخاء فمرت به شهرا في روحة وشهرا في غدوة إلى حيث أراد وكانت تمر بعسكره الريح الرخاء وبالمزرعة فما تحركها ولا تثير ترابا ولا تؤذي طائرا قال وهب ذكر لي أن منزلا بناحية دجلة مكتوب فيه كتبه بعض صحابة سليمان إما من الجن وإما من الإنس نحن نزلناه وما بنيناه ومبنيا وجدناه غدونا من إصطخر فقلناه ونحن رائحون منه إن شاء الله فبائتون بالشام قال مقاتل نسجت الشياطين لسليمان بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في إبريسم وكان يوضعله منبر من الذهب في وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة ويقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح ومن الرواح إلى الصباح وعن سعيد بن جبير قال كان يوضع لسليمان ستمائة ألف كرسي فيجلس الإنس فيما يليه ثم يليهم الجن ثم تظلهم الطير ثم تحملهم الريح وقال الحسن لما شغلت الخيل نبي الله سليمان عليه السلام حتى فاتته صلاة العصر غضب الله عز وجل فعقر الخيل فأبدله الله مكانها خيرا منها وأسرع الريح تجري بأمره كيف شاء فكان يغدو من إيلياء فيقيل بإصطخر ثم يروح ومنها فيكون رواحها ببابل وقال ابن زيد كان له مركب من خشب وكان فيه ألف ركن في كل ركن ألف بيت يركب معه فيه الجن والإنس تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ذلك المركب فإذا ارتفع أتت الريح الرخاء فسارت به وبهم يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ويمسي عند قوم بينه وبينهم شهر ولا يدري القوم إلا وقد أظلهم معه الجيوش وروي أن سليمان سار من أرض العراق غازيا فقال بمدينة مرو وصلى العصر بمدينة بلخ يحمله وجنوده
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»