تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٢٥٣
سورة الأنبياء من الآية 76 وحتى الآية 79 78 قوله تعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) اختلفوا في الحرث قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وأكثر المفسرين كان الحرث كرما قد تدلت عناقيده وقال قتادة كان زرعا (إذ نفشت فيه غنم القوم) يعني رعته ليلا فأفسدته والنقش الرعي بالليل والهمل بالنهار وهما الرعي بلا راع (وكنا لحكمهم شاهدين) يعني كان ذلك بعلمنا وبمرأى منا لا يخفى علينا علمه قال الفراء جمع اثنين فقال لحكمهم وهو يريد داود وسليمان لأن الاثنين جمع وهو مثل قوله (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) وهو يريد أخوين قال ابن عباس وقتادة والزهري وذلك أن رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب زرع والآخر صاحب غنم فقال صاحب الزرع إن هذا انفلتت غنمه ليلا ووقعت في حرثي فأفسدته فلم يبق منه شيء فأعطاه داود رقاب الغنم بالحرث فخرجا فمرا على سليمان فقال كيف قضى بينكما فأخبراه فقال سليمان لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا وروي أنه قال غير هذا أرفق بالفريقين فأخبر بذلك داود فدعاه فقال كيف تقضي ويروى أنه قال بحق النبوة والأبوة إلا أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين قال ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه فإذا صار الحرث كهيئة يوم أكل دفع إلى أهله وأخذ صاحب الغنم غنمه فقال داود القضاء ما قضيت وحكم بذلك وقيل إن سليمان يوم حكم بذلك كان ابن إحدى عشرة سنة وأما حكم الإسلام في هذه المسألة أن ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها وما أفسدته بالليل ضمنته بها لأن في عرف الناس أن أصحاب الزرع يحفظونه بالنهار والمواشي تسرح بالنهار وترد بالليل إلى المراح أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمان على أهلها وذهب أصحاب الرأي إلى أن المالك إذا لم يكن معها فلا ضمان عليه فيما أتلفت ماشيته ليلا كان أو نهارا 79 قوله تعالى (ففهمناها سليمان) أي علمناه القضية وألهمناها سليمان (وكلا) يعني داود وسليمان (آتينا حكما وعلما) قال الحسن لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد أهلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده واختلف العلماء في أن حكم داود كان بالاجتهاد أو بالنص وكذلك حكم سليمان فقال بعضهم فعلا بالاجتهاد وقالوا يجوز الاجتهاد للأنبياء ليدركوا ثواب المجتهدين
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»