تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٣٠٥
والصنف الثامن هم أبناء السبيل فكل من يريد سفرا مباحا ولم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى من الصدقة بقدر ما يقطع به تلك المسافة سواء كان له في البلد المنتقل إليه مال أو لم يكن وقال قتادة السبيل هو الضعيف وقال فقهاء العراق ابن السبيل الحاج المنقطع قوله تعالى (فريضة) أي واجبة (من الله) وهو نصب على القطع وقيل على المصدر أي فرض الله هذه الأشياء فريضة (والله عليم حكيم) اختلف أهل العلم والفقهاء في كيفية قسم الصدقات وفي جواز صرفها إلى بعض الأصناف فذهب جماعة إلى أنه لا يجوز صرف كلها إلى بعضهم مع وجود سائر الأصناف وهو قول عكرمة وبه قال الشافعي قال يجب أن يقسم زكاة كل صنف من ماله على الموجودين من الأصناف الستة الذين سهماتهم ثابتة قسمة على السواء لأن سهم المؤلفة ساقط وسهم العامل إذا قسمه بنفسه ثم حصة كل صنف منهم لا يجوز أن تصرف إلى أقل من ثلاثة منهم إن وجد منهم ثلاثة أو أكثر فلو فاوت بين أولئك الثلاث يجوز فإن لم يوجد من بعض الأصناف إلا واحد صرف حصة ذلك الصنف إليه ما لم يخرج عن حد الاستحقاق فإن انتهت حاجته وفضل شيء رده إلى الباقين وذهب جماعة إلى أنه لو صرف الكل إلى صنف واحد من هذه الأصناف أو إلى شخص واحد منهم يجوز وإنما سمى الله تعالى هذه الأصناف الثمانية إعلاما منه أن الصدقة لا تخرج عن هذه الأصناف إلا إيجابا لقسمها بينهم جميعا وهو قول عمرو ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير وعطاء وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي وبه قال أحمد قال يجوز أن يضعها في صنف واحد وتفريقها أولى وقال إبراهيم إن كان المال كثيرا يحتمل الأجزاء قسمة على الأصناف وإن كان قليلا جاز وضعه في صنف واحد وقال مالك يتحرى موضع الحاجة منهم ويقدم الأولى فالأولى من أهل الخلة والحاجة فإن رأى الخلة في الفقراء في عام أكثر قدمهم وإن رآها في عام في صنف آخر حولها إليهم وكل من دفع إليه شيء من الصدقة لا يزيد على قدر الاستحقاق فلا يزيد الفقير على قدر غناه فإذا حصل أدني اسن الغنى لا يعطى بعده فإن كان محترفا لكنه لا يجد آلة حرفته فيعطى قدر ما يحصل به آلة حرفته ولا يزاد على العامل على أجر عمله والمكاتب على قدر ما يعتق به والغارم على قدر دينه والغازي على قدر نفقته للذهاب والرجوع والمقام في مغزاه وما يحتاج إليه من الفرس والسلاح وابن السبيل على قدر إتيانه مقصده أو ماله واختلفوا في نقل الصطقة عن بلد المال إلى موضع آخر مع وجود المستحقين فيه فكرهه أكثر أهل العلم لما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنبأنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا أبو كريب ثنا وكيع ثنا زكريا إسحاق المكي ثنا يحيى بن عبد الله بن الصيفي عن أبي سعيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب فهذا يدل على أن صدقة أغنياء كل قوم ترد على فقراء ذلك القوم
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»