تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٢٩١
ترجعوا بعد ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض ما سمعه ألا هل بلغت ألا هل بلغت قالوا وكان قد استمر النسيء بهم فكانوا ربما يحجون في بعض السنين في شهر ويحجون من قابل في شهر آخر قال مجاهد كانوا يحجون في كل شهر عامين فحجوا في شهر ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين وكذلك في الشهور فوافقت أبي بكر رضي الله عنه قبل حجة الوداع السنة الثانية من ذي القعدة ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام القابل حجة الوداع فوافقة حجة شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة فوقف بعرفة اليوم التاسع وخطب اليوم العاشر بمنى وأعلمهم أن اشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان وعاد الأمر إلى ما وضع الله عليه حساب الأشهر الحرم يوم خلق الله السماوات والأرض وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا يتبدل في مستأنف الأيام واختلفوا في أول من نسأ النسيء فقال ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد أول من نسأ النسيء بنو مالك بن كنانة وكانوا ثلاثة أبو تمام جنادة بن عوف بن أمية الكناني وقال الكلبي أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة وكان يقوم أميرا على الناس بالموسم فإذا هم الناس بالصدر قام فخطب الناس فقال لا مرد لما قضيت أنا الذي لا أعاب ولا أجاب فيقول له المشركون لبيك ثم يسألونه أن ينساهم شهرا يغيرون فيه فيقول فإن صفر العام حرام فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ونزعوا الأسنة والأزجة وإن قال حلال عقدوا الأوتار وشدوا الأزجة وأغاروا وكان من بعد نعيم بن ثعلبة رجل يقال له جنادة بن عوف وهو الذي ادركه النبي صلى الله عليه وسلم وقال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم هو رجل بني كنانة يقال له القلمس قال شاعرهم وفينا ناسىء الشهر القلمس وكانوا لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما إن أول من سن النسيء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندق ابا بني كعب وهو يجر قصبه في النار فهذا الذي ذكرنا هو النسيء الذي ذكره الله تعالى فقال (إنما النسيء زيادة في الكفر) يريد زيادة كفر على كفرهم (يضل به الذين كفروا) قرأ حمزة الكسائي وحفص (يضل) بضم الياء وفتح الضاد كقوله تعالى (زين لهم سوء أعمالهم) وقرأ يعقوب بضم الياء وكسر الضاد وهي قراءة الحسن ومجاهد على معنى (يضل) به الذين كفروا الناس وقرأ الآخرون بفتح الياء وكسر الضاد لأنهم هم الضالون لقوله (يحلونه) يعني النسيء (عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا) أي ليوافقوا والمواطأة الوافقة (عدة ما حرم الله) يريد أنهم لم يحلوا شهرا من الحرام إلا حرموا مكانه شهرا من الحلال ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام لئلا يكون الحرم أكثر من أربعة اشهر كما حرم الله فيكون الموافقة في العدد (فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم) قال ابن عباس يريد زين لهم الشيطان (والله لا يهدي القوم الكافرين)
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»