تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٠
سورة التوبة (37) عامة (كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم فقال قوم كان كبيرا ثم نسخ بقوله (وقاتلوا المشركين كافة) كأنه يقول فيهن وفي غيرهم وهو قول قتادة وعطاء الخراساني والزهري وسفيان الثوري وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة وقال الآخرون إنه غير منسوخ قال ابن جريج حلف بالله عطاء بن أبي رياح ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها وما نسخت 37 قوله تعالى (إنما النسيء زيادة في الكفر) قيل هو مصدر كالسعير والحريق وقيل هو مفعول كالجريح والقتيل وهو من التأخير ومنه النسيئة في البيع يقال أنسا الله في أجله أي أخر وهو ممدود مهموز عند أكثر القراء وقرأ ورش عن نافع من طريق البخاري بتشديد الياء من غير همز فقد قيل أصله الهمزة فخفف وقيل هو من النسيان على معنى المنسي أي المتروك ومعنى النسيء هو تأخير تحريم شهر إلى شهر آخر وذلك أن العرب كانت تعتقد تعظيم الأشهر الحرم وكان ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم عليه السلام وكانت عامة معايشهم من الصيد والغارة فكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة اشهر على التوالي وربما وقعت لهم حرب في بعض الأشهر الحرم فيكرهون تأخير حربهم فنسؤا أي أخروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر وكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمون صفر ويستحلون المحرم فإذا احتاجوا إلى تأخير تحريم صفر اخروه إلى ربيع هكذا شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله عز وجل فيه وذلك بعد دهر طويل فخطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وبين ذلك كما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف الفريري ثنا محمد بن إسماعيل البخاري ثنا محمد بن سلام ثنا عبد الوهاب ثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وقال أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس ذو الحجة قلنا بلى قال أي بلد هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس البلد الحرام قلنا بلى قال فأي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قال بلى قال فإن دماءكم وأموالكم قال محمد أحسبه قال أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألونكم عن أعمالكم ألا فلا
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»