تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٣٠
اغتاله وهو في النوم فشدخ رأسه فقتله وذلك قوله تعالى (فقتله فأصبح من الخاسرين) وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة واختلفوا في موضع قتله قال ابن عباس رضي الله عنهما على جبل ثور وقيل عند عقبة حراء فلما قتله تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به لأنه كان أول ميت على وجه الأرض من بني آدم وقصدته السباع فحمله في جراب على ظهره أربعين يومما وقال ابن عباس سنة حتى أروح وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمى به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثمم حفر له بمنقاره وبرجله حتى مكن له ثم ألقاه في الحفرة وواراه وقابيل ينظر إليه فذلك قوله تعالى سورة المائدة (31) (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه) فلما رأى قابيل ذلك (قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي) أي جيفته وقيل عورته لأنه قد سلب ثيابه (فأصبح ممن النادمين) على حمله على عاتقه لا على قتله وقيل على فراق أخيه وقيل ندم لقلة النفع بقتله فإنه أسخط والديه وما انتفع بقتله شيئا ولم يكن ندمه على القتل وركوب الذنب قال عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب لما قتل ابن آدم أخاه وجفت الأرض بما عليها سبعة أيام ثم شربت الأرض دمه كما يشرب الماء فناداه آدم اين أخوك هابيل قال ما أدري ما كنت عليه رقيبا فقال آدم إن دم أخيك ليناديني من الأرض فلم قتلت أخاك قال فأين دمه إن كنت قتلته فحرم الله عز وجل على الأرض يومئذ أن تشرب دما بعده أبدا وقال مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما لما قتل قابيل هابيل وآدم عليه السلام بمكة اشتاك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمر الماء وأغبرت الأرض فقال آدم عليه السلام قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول وهو أول من قال الشعر (تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح) (تغير كل ذي طعم ولون وقل بشاشة الوجه المليح) وروزى عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من قال إن آدم عليه السلام قال شعرا فقد كذب على الله ورسوله فإن محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء كلهم عليهم السلام في النهي عن الشعر سواء ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سرياني فلما قال آدم مرتيته قال لشيث يا بني إنك وصي احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه فلم يزل ينقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية وكان يقول الشعر فنظر في المرثية فرد المقدم إلى المؤخر والمؤخر إلى المقدم فوزنه شعرا وزاد فيه أبيات منها
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»