تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٧
سورة الأنفال (17) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم ولم يكن لهم فئة يتحيزون إليها دون النبي صلى الله عليه وسلم ولو انحازوا لانحازوا إلى المشركين فأما بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض فيكون الفار متحيزا إلى فئة فلا يكون فراره كبيرة وهو قول الحسن وقتادة والضحاك قال يزيد بن أبي حبيب أوجب الله النار لمن فر يوم بدر فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال (إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم) ثم كان يوم حنين بعده فقال (ثم وليتم مدبرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) وقال عبد الله كنا في جيش بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة فانهزمنا فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال بل أنتم الكرارون إنا فئة المسلمين وقال محمد بن سيرين لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر فقال لو انحاز إلي كنت له فئة فإنا فئة كل مسلم وقال بعضهم حكم الآية عام في حق كل من ولى منهزما جاء في الحديث من الكبائر الفرار من الزحف وقال عطاء بن أبي رباح هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل (الآن خفف الله عنكم) فليس لقوم أن يفروا من مثلهم فنسخت تلك إلا في هذه العدة وعلى هذا أكثر أهل العلم أن المسلمين إذا كانوا على الشطر من عدوهم لا يجوز لهم أن يفروا ويولوا ظهورهم إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة وإن كانوا أقل من ذلك جاز لهم أن يولوا ظهورهم وينحازوا عنهم قال ابن عباس من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر 17 قوله تعالى (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) قال مجاهد سبب نزول هذه الآية أنهم لما انصرفوا عن القتال كان الرجل يقول أنا قتلت فلانا ويقول الآخر مثله فنزلت الآية ومعناه فلم تقتلوهم أنتم بقوتكم ولكن الله قتلهم بنصرته إياكم وتقويته لكم وقيل ولكن الله قتلهم بإمداد الملائكة (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) قال أهل التفسير والمغازي ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم أسلم غلام أسود لبني الحجاج وأبو يسار غلام لبني العا بن سعيد فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما أين قريش قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا لا ندري قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما عشرة ويوما تسعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم ما بين التسع مائة إلى الألف ثم قال لهما فمن فيهم من أشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري ابن هشام وحكيم بن حزام والحارث بن عامر وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها فلما أقبلت قريش ورآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذي
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»