تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ١٢٣
(عليكم شهيدا) معدلا مزكيا لكم وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم يقول لكفار الأمم الماضية ألم يأتكم نذير فينكرون ويقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير فيسأل الله الأنبياء عليهم السلام عن ذلك فيقولون كذبوا قد بلغناهم فيسأل البينة وهو أعلم بهم إقامة للحجة فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم أنهم بلغوا فتقول الأمم الماضية من أين علموا أو إنما أتوا بعدنا فيسأل هذه الأمة فيقولون أرسلت إلينا رسولا وأنزلت عليه كتابا أخبرتنا فيه بتبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحق بن منصور أخبرنا أبو أسامة قال الأعمش أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعم يا رب فيسأل أمته هل بلغكم فيقولون ما جاءنا من نذير فيقال من شهودك فيقول محمد وأمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجاء بكم فتشهدون \ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) أي تحويلها يعني عن بيت المقدس فيكون من باب حذف المضاف ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفا على تقدير وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة وقيل معناه التي أنت عليها وهي الكعبة كقوله تعالى (كنتم خير أمة) أي أنتم (إلا لنعلم من يتبع الرسول) فإن قيل ما معنى قوله (إلا لنعلم) وهو عالم بالأشياء كلها قبل كونها قيل أراد به العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب فإنه لا يتعلق بما هو عالم به في الغيب إنما يتعلق بما يوجد معناه لنعلم العلم الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب وقيل إلا لنعلم أي لنرى ونميز من يتبع الرسول في القبلة (ممن ينقلب على عقبيه) فيرتد وفي الحديث \ أن القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية وقالوا رجع محمد إلى دين آبائه \ وقال أهل المعاني معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه كأنه سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي كما قال الله تعالى (فلم تقتلون أنبياء الله) أي فلم قتلتهم) (وإن كانت) أي وقد كانت أو تولية القبلة وقيل الكتابة راجعة إلى القبلة وقيل إلى الكعبة قال الزجاج وإن كانت التحويلة (لكبيرة) ثقيلة شديدة (إلا على الذين هدى الله) أي هداهم الله قال سيبويه (وإن) تأكيد شبيه باليمين ولذلك دخلت اللام في جوابها (وما كان الله ليضيع إيمانكم) وذلك أن حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس إن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة فقال المسلمون إنما الهدى ما أمر الله به والضلالة ما نهى الله عنه قالوا فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا وكان قد مات قبل أن تحول إلى الكعبة من المسلمين أسعد بن زرارة من بني النجار والبراء بن معرور من بني سلمة وكانا من النقباء ورجال آخرون
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»