تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٤٦٥
الله عليه ولعنه) أي طرده عن الرحمة (وأعد له عذابا عظيما) اختلفوا في حكم هذه الآية فحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قاتل المؤمن عمدا لا توبة له فقيل له أليس قد قال الله في سورة الفرقان (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) إلى أن قال (ومن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب) فقال كانت هذه في الجاهلية وذلك أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وزنوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذي تدعوا إليه لحسن ويخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) إلى قوله (إلا من تاب وآمن) فهذه لأولئك وأما التي في النساء فالرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل مسلما متعمدا فجزاؤه جهنم وقال زيد بن ثابت لما نزلت التي في الفرقان (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) عجبنا من لينها فلبثنا سبعة اشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللية فنسخت اللينة وأراد بالغليظة الآية وباللينة آية الفرقان وقال ابن عباس رضي الله عنهما تلك آية مكية وهذه مدنية ولم ينسخها شيء والذي عليه الأكثرون وهو مذهب أهل السنة أن قاتل المسلم عمدا توبته مقبوله لقوله تعالى (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا) وقال (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فهو تشديد ومبالغة في الزجر عن القتل كما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال إن لم يقتل يقال له لا توبة لك وإن قتل ثم جاء يقال لك توبة ويروى مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما وليس في الآية متعلق لمن يقول بالتخليد في النار بارتكاب الكبائر لأن الآية نزلت في قاتل وهو كافر وهو مقيس بن صبابة وقيل إنه وعيد لمن قتل مؤمنا مستحلا لقتله بسبب إيمانه ومن استحل قتل أهل الإيمان لإيمانهم كان كافرا مخلدا في النار وقيل قوله تعالى (فجزاؤه جهنم خالدا فيها) معناه هي جزاؤه إن جازاه ولكنه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له بكرمه فإنه وعد أن يغفر لمن يشاء حكي أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء فقال له هل يخلف الله وعده فقال لا فقال أليس قد قال الله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) فقال أبو عمرو بن العلاء من العجم أتيت يا أبا عثمان إن العرب لا تعد الإخلاف في الوعيد خلفا وذما وإنما تعد إخلاف الوعد خلفا وذما وأنشد (وإني وإن وعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي) والدليل على أن غير الشرك لا يوجب التخليد في النار ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة \ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمن أنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد يوم بدر وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه \ بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم
(٤٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 ... » »»