سورة النساء 79 (ولو كنتم في بروج مشيدة) والبروج الحصون والقلاع والمشيدة المرفوعة المطولة قال قتادة معناه في قصور محصنة وقال عكرمة مجصصة والشيد الجص (وإن تصبهم حسنة) نزلت في اليهود والمنافقين وذلك أنهم قالوا لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه قال الله تعالى (وإن تصبهم) يعني اليهود حسنة أي خصب ورخص في السعر (يقولوا هذه من عند الله) لنا (وإن تصبهم سيئة) يعني الجدب وغلاء الأسعار (يقولوا هذه من عندك) أي من شؤم محمد وأصحابه وقيل المراد بالحسنة الظفر والغنيمة يوم بدر وبالسيئة القتل والهزيمة يوم أحد يقولوا هذه من عندك أي أنت الذي حملتنا عليه يا محمد فعلى هذا يكون هذا من قول المنافقين (قل) لهم يا محمد (كل من عند الله) أي الحسنة والسيئة كلها من عند الله ثم عيرهم بالجهل فقال (فمال هؤلاء القوم) يعني المنافقين واليهود (لا يكادون يففقهون حديثا) أي لا يفقهون قولا وقيل الحديث ههنا هو القرآن أي لا يفقهون معاني القرآن قوله (فمال هؤلاء) قال الفراء كثرت في الكلام هذه الكلمة حتى توهموا أن اللام متصلة بها وأنهما حرف واحد ففصلوا اللام بما بعدها في بعضه ووصلوها في بعضه والقراءة الاتصال ولا يجوز الوقف على اللام لأنها لام خافضة 79 قوله عز وجل (ما أصابك من حسنة) خير ونعمة (فمن الله وما أصابك من سيئة) بلية أو أمر تكرهه (فمن نفسك) أي بذنوبك والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره نظيره قوله تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وتعلق أهل القدر بظاهر هذه الآية فقالوا نفى الله تعالى السيئة عن نفسه ونسبها إلى العبد فقال (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) ولا متعلق لهم فيه لأنه ليس المراد من الآية حسنات الكسب ولا سيآته من الطاعات والمعاصي بل المراد منهم ما يصيبهم من النعم والمحن وذلك ليس من فعلهم بدليل أنه نسبها إلى غيرهم ولم ينسبها إليهم فقال (ما أصابك) ولا يقال في الطاعة والمعصية أصابني إنما يقال أصبتها ويقال في المحن أصابني بدليل أنه لم يذكر عليه ثوابا ولا عقابا فهو كقوله تعالى (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة تطيروا بموسى ومن معه) فلما ذكر حسنات الكسب وسيئاته نسبها إليه ووعد عليها الثواب والعقاب فقال (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها) وقيل معنى الآية ما أصابك من حسنة من النصر والظفر يوم بدر فمن الله أي من فضل الله وما أصابك من سيئة من القتل والهزيمة يوم أحد فمن نفسك أي يعني فبذنوب أصحابك وهو مخالفتهم لك فإن قيل كيف وجه الجمع بين قوله (قل كل من عند الله) وبين قوله (فمن نفسك) قيل قوله (قل كل من
(٤٥٤)