تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٤٦٣
وتحرير رقبة مؤمنة) أراد به إذا كان المقتول كافرا ذميا أو معاهدا فيجب فيه الدية والكفارة والكفارة تكون بإعتاق رقبة مؤمنة سواء كان المتقول مسلما أو معاهدا رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا وتكون في مال القاتل (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) والقاتل إن كان واجدا للرقبة أو قادرا على تحصيلها بوجود ثمنها فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وحاجته من مسكن ونحوه فعليه الإعتاق ولا يجوز أن ينتقل إلى الصوم فإن عجز عن تحصيلها فعليه صوم شهرين متتابعين فإن أفطر يوما متعمدا في خلال الشهرين أو نسي النية ونوى صوما آخر وجب عليه استئناف الشهرين وإن فصل يوما بعذر مرض أو سفر فهل ينقطع التتابع اختلف أهل العلم فيه فمنهم من قال ينقطع وعليه استئناف الشهرين وهو قول النخعي وأظهر قول الشافعي رضي الله عنه لأنه أفطر مختارا ومنهم من قال لا ينقطع وعليه أن يبني وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي ولو حاضت المرأة في خلال الشهرين أفطرت أيام الحيض ولا ينقطع التتابع فإذا طهرت بنت على ما أصابت لأنه أمر مكتوب على النساء لا يمكنهن الاحتراز عنه فإن عجز عن الصوم فهل يخرج عنه بإطعام ستين مسكينا فيه قولان أحدهما يخرج كما في كفارة الظهار والثاني لا يخرج لأن الشرع لم يذكر له بدلا فقال (فصيام شهرين متتابعين) (توبة من الله) أي جعل الله ذلك توبة القاتل الخطأ (وكان الله عليما) بمن قتل خطأ (حكيما) فيما حكم به عليكم أما الكلام في بيان الدية فاعلم أن القتل على ثلاثة أنواع عمد محض وشبه عمد وخطأ محض أما المحض فهو أن يقصد قتل إنسان بما يقصد به القتل غالبا فقتله ففيه القصاص عند وجود التكافؤ أو دية مغلظة في مال القاتل حالة وشبه العمد أن يقصد ضربه بما لا يموت مثله من ذلك الضرب غالبا بأن ضربه بعصا خفيفة أو حجر صغير ضربة أو ضربتين فمات فلا قصاص فيه بل يجب فيه دية مغلظة على عاقلته مؤجلة إلى ثلاث سنين والخطأ المحض هو أن لا يقصد قتله بل قصد شيئا آخر فأصابه فمات منه فلا قصاص فيه بل تجب دية مخفضة على عاقلته مؤجلة إلى ثلاث سنين وتجب الكفارة في ماله في الأنواع كلها وعند أبي حنيفة رضي الله عنه قتل العمد لا يوجب الكفارة لأنه كبيرة كسائر الكبائر ودية الحر المسلم مائة من الإبل فإذا عدمت الإبل وجبت قيمتها من الدراهم أو الدنانير في قول وفي قول يجب بدل مقدر منها وهو ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم لما روي عن عمر رضي الله عنه فرض الدية على أهل الذهب ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم وذهب قوم إلى أن الواجب في الدية مائة من الإبل أو ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم وهو قول عروة بن الزبير والحسن البصري رضي الله عنهما وبه قال مالك وذهب قوم إلى أنها مائة من الإبل أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي ودية المرأة نصف دية الرجل ودية أهل الذمة والعهد ثلث دية المسلم إن كان كتابيا وإن كان مجوسيا فخمس الدية روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه وذهب قوم إلى أن دية الذمي والمعاهد مثل دية المسلم روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي وقال قوم دية الذمي نصف دية المسلم وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك
(٤٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 ... » »»