تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٣٩٤
سورة النساء 6 6 قوله تعالى (وابتلوا اليتامى) الآية نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتا وهو صغير فجاء عمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله فأنزل الله تعالى هذه الآية (وابتلوا اليتامى) أي اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالهم (حتى إذا بلغوا النكاح) أي مبلغ الرجال والنساء (فإن أنستم) أبصرتم (منهم رشدا) فقال المفسرون يعني عقلا وصلاحا في الدين وحفظا للمال وعلما بما يصلحه وقال سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي لا يدفع إليه ماله وإن كان شيخا حتى يؤنس منه رشده والابتلاء يختلف باختلاف أحوالهم فإن كان ممن يتصرف في السوف فيدفع الولي إليه شيئا يسيرا من المال وينظر في تصرفه وإن كان ممن لا يتصرف في السوق فيتخبره في نفقة داره والانفاق على عبيده وأجرائه وتختبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها فإذا رأى حسن تدبير وتصرفه في الأمور مرارا يغلب على القلب رشده دفع المال إليه واعلم أن الله تعالى علق زوال الحجر عن الصغير وجواز دفع المال إليه بشيئين بالبلوغ والرشد والبلوغ يكون بأحد أشياء أربعة اثنان يشترك فيهما الرجال والنساء واثنان مختصان بالنساء أحدهما السن والثاني الاحتلام أما السن فقد استكمل المولود خمس عشرة سنة حكم ببلوغه غلاما كان أو جارية لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربعة عشر سنة فردني ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني قال نافع فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال هذا فرق ما بين المقاتلة والذرية وكتب أن يفرض لابن خمس عشرة سنة المقاتلة ومن لم يبلغها في الذرية وهذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى بلوغ الجارية باستكمال سبع عشرة وبلوغ الغلام باستكمال ثمان عشرة سنة وأما الاحتلام فنعني به نزول المني سواء كان بالاحتلام أو بالجماع أو غيرهما فإذا وجدت ذلك بعد استكمال تسع سنين من أيهما كان حكم ببلوغه لقوله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في الجزية حين بعثه إلى اليمن \ خذ من كل حالم دينارا \ وإما الإنبات وهو نبات الشعر الخشن حول الفرج فهو بلوغ أولاد المشركين لما روي عن عطية القرظي قال كنت من سبي قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكنت ممن لم ينبت وهل يكون لذلك بلوغا في أولاد المسلمين فيه قولان أحدهما يكون بلوغا كما في أولاد الكفار والثاني لا
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»