تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٣٩١
إذا كانت ذات مال وجمال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء قال فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها قال الحسن كان الرجل من أهل الجاهلية تكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لأجل مالها وهي لا تعجبه كراهية أن يدخل غريب فيشاركه في مالها ثم يسيء صحبتها ويتربص أن تموت ويرثها فعاب الله تعالى ذلك وأنزل الله هذه الآية وقال عكرمة كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء والأكثر فإذا صار معدما من مؤمن نسائه مال إلى مال يتيمته التي في حجره فأنفقه فقيل لهم لا تزيدوا على أربع حتى لا يحوجكم إلى أخذ أموال اليتامى وهذه رواية طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال بعضهم كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء فيتزوجون ما شاؤوا وربما عدلوا وربما لم يعلدوا فلما أنزل الله تعالى في أموال اليتامة (وآتوا أموالهم) أنزل هذه الآية (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) يقول كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقوقهن لأن النساء في الضعف كاليتامى وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي ثم رخص في نكاح أربع فقال (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وقال مجاهد معناه إن تحرجتم من ولاية اليتامى وأموالهم إيمانا فكذلك تحرجوا من الزنا فانكحوا النساء الحلال نكاحا طيبا ثم بين لهم عددا وكانوا يتزوجون ما شاؤوا من غير عدد فتزل قوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) أي من طاب كقوله تعالى (والسماء وما بناها) وقوله تعالى (قال فرعون وما رب العالمين) والعرب تضع (من) و (ما) كل واحدة موضع الأخرى كقوله تعالى (فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين) وطاب أي حل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع معدولات عن اثنين وثلاث وأربع ولذلك لا يصرفن وإن الواو بمعنى أو للتخيير كقوله تعالى (أن تقوموا لله مثنى وفرادى) وقوله تعالى (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) وهذا إجماع أن أحدا من الأمة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة وكانت الزيادة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لا مشاركة معه لأحد من الأمة فيها وروي أن قيس بن الحارث كان تحته ثمان نسوة فلما نزلت هذه الآية قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم \ طلق أربعا وأمسك أربعا \ فجعل يقول للمرأة التي لم تلد يا فلانة أدبري والتي قد ولدت يا فلانة أقبلي وروي أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم \ أمسك أربعا وفارق سائرهن \ وإذا جمع الحر بين أربع نسوة حرائر فإنه يجوز فأما العبد فلا يجوز له أن ينكح أكثر من امرأتين عند أكثر أهل العلم لما أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد الخطيب أنا عبد العزيز أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»