تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٧٢
حملته على الذين من قبلنا) أقل نعم (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) قال نعم (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) قال نعم \ وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه وقال في كل ذلك قد فعلت بدل قوله تعم وهذا قول ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر وإليه ذهب محمد بن سيرين ومحمد بن كعب وقتادة الكلبي أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا يعقوب بن يوسف القزويني أخبرنا أبو القاسم بن الحكم المغربي أخبرنا مسعد بن كدام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به \ وقال بعضهم الآية غير منسوخة لأن النسخ لا يرد على الأخبار إنما يرد على الأمر والنهي وقوله (يحاسبكم به الله) خبر لا يرد عليه النسخ ثم اختلفوا في تأويلها فقال قوم قد أثبت الله تعالى للقلب كسبا فقال (بما كسبت قلوبكم) فليس لله عبد أسر عملا أو أعلنه من حركة من جوارحه أو همة في قلبه إلا يخبره الله به ويحاسبه عليه ثم يغفر ما يشاء ويعذب بما يشاء وهذا معنى قول الحسن يدل عليه قوله تعالى (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) وقال الآخرون معنى الآية إن الله عز وجل يحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم أو أخفوه ويعاقبهم علي غير أن معاقبته على ما أخفوه مما لم يعلموه بما يحدث لهم في الدنيا من النوائب والمصائب والأمور التي يحزنون عليها وهذا قول عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال \ يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة حتى الشوكة والبضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيروع لها حتى إن المؤمن يخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير \ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الزياتي أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن الصالح حدثني الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن سنان عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \ إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عليه بذنب حتى يوافيه به يوم القيامة \ وقال بعضهم وإن تبدوا ما في أنفسكم يعني ما في قلوبكم مما عزمتم عليه أو تخفوه يحاسبكم به الله ولا تبدوه وأنتم عازمون عليه يحاسبكم به الله فأما ما حدثت به أنفسكم مما لم تعزموا فإن ذلك مما لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا يؤاخذكم به دليله قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) قال عبد الله بن المبارك قلت لسفيان أيؤاخذ الله العبد بالهمة قال إذا كان عزما أخذ بها وقيل معنى المحاسبة الإخبار والتعريف ومعنى الآية وإن تبدوا ما في أنفسكم فتعملوا به أو تخفوه مما أضمرتم ونويتم يحاسبكم به الله ويخبركم به ويعرفكم إياه ثم يغفر للمؤمنين إظهارا لفضله ويعذب الكافرين إظهارا لعدله وهذا معنى قول الضحاك ويروى ذلك عن ابن عباس
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»