تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٧٤
سورة البقرة 286 286 (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ظاهر الآية قضاء لحاجته وفيها إضمار السؤال كأنه قال وقالوا لا تكلفنا إلا وسعنا وأجاب أي لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أي طاقتها والوسع اسم لما يسع الإنسان ولا يضيق عليه واختلفوا في تأويله فذهب ابن عباس رضي الله عنه وعطاء وأكثر المفسرين إلى أنه أراد به حديث النفس الذي ذكر في قوله (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) كما ذكرنا وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال هم المؤمنون خاصة وسع عليهم أمر دينهم ولم يكلفهم فيه إلا ما يستطيعون كما قال الله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال الله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وسئل سفيان بن عيينة عن قوله عز وجل (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) قال إلا يسرها ولم يكلفها فوق طاقتها وهذا قوله حسن لأن الوسع ما دون الطاقة قوله تعالى (لها ما كسبت) أي للنفس ما عملت من الخير لها أجره وثوابه (وعليها ما اكتسبت) من الشر وعليها وزره (ربنا لا تؤاخذنا) أي لا تعاقبنا (إن نسينا) جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو قال الكلبي كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به أو أخطؤوا عجلت لهم العقوبة فحرم عليهم شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب فأمر الله المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك وقيل هو من النسيان الذي هو الترك كقوله تعالى (نسوا الله فنسيهم) قوله تعالى (أو أخطأنا) قيل معناه القصد والعمد يقال أخطأ فلان إذا تعمد قال الله تعالى (إن قتلهم كان خطئا كبيرا) قال عطاء إن نسينا أو أخطأنا يعني إن جهلنا أو تعمدنا وجعله الأكثرون من الخطأ الذي هو الجهل والسهو لأن ما كان عمدا من الذنب فغير معفو عنه بل هو في مشيئة الله والخطأ معفو عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم \ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه \ قوله تعالى (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) أي عهدا ثقيلا لا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقضه وتركه (كما حملته على الذين من قبلنا) يعني اليهود فلم يقوموا به فعذبتهم هذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والسدي والكلبي وجماعة يدل عليه قوله تعالى (وأخذتم على ذلك إصري) أي عهدي وقيل معناه لا تشدد ولا تغلظ الأمر علينا كما شددت على من قبلنا من اليهود وذلك أن الله فرض عليهم خمسين صلاة وأمرهم بأداء ربع أموالهم من الزكاة ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ومن أصاب ذنبا أصبح ذنبه مكتوبا على بابه ونحوها من الأثقال والأغلال وهذا معنى قول عثمان وعطاء ومالك بن أنس وأبي عبيدة وجماعة يدل
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»