تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٧١
سورة البقرة 284 الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئا لحسن ظنه به (فليؤد الذي ائتمن أمانته) أي فليقضه على الأمانة (وليتق الله ربه) في أداء الحق ثم رجع إلى خطاب الشهود فقال (ولا تكتموا الشهادة) إذا دعيتم إلى إقامتها نهى عن كتمان الشهادة وأوعد عليه فقال (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) أي فاجر قلبه قيل ما وعد على شيء كإيعاده على كتمان الشهادة قال (فإنه آثم قلبه) وأراد به مسخ القلب نعوذ بالله من ذلك (والله بما تعملون) من بيان الشهادة وكتمانها (عليم) 284 (لله ما في السماوات وما في الأرض) ملكا وأهلها له عبيد وهو مالكهم (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) اختلف العلماء في هذه الآية فقال قوم هي خاصة ثم اختلفوا في وجه خصوصها فقال بعضهم هي متصلة بالآية الأولى نزلت في كتمان الشهادة معناه وإن تبدوا ما في أنفسكم أيها الشهود من كتمان الشهادة أو تخفوا الكتمان يحاسبكم به الله وهو قول الشعبي وعكرمة وقال بعضهم نزلت فيمن يتولى الكافرين من دون المؤمنين يعني وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفار أو تسروه يحاسبكم به الله وهو قول مقاتل كما ذكر في سورة آل عمران (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) إلى أن قال (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله) وذهب الأكثرون إلى أن الآية عامة ثم اختلفوا فيها فقال قوم هي منسوخة بالآية التي بعدها والدليل عليه ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحاج حدثني محمد بن المنهال الضرير وأمية بن بسطام العيشي اللفظ له قال أخبرنا يزيد بن زريع أنا روح وهو ابن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) الآية قال اشتد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كلفنا من الأعمال ما نطيف الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما قرأها القوم وذلك بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لا ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قال نعم (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»