لحمه فلما مضى من موته سبعون سنة أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس يقال له نوشك فقال إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيلياء حتى يعود أعمر ما كان فانتدب الملك بألف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة ألف عامل وجعلوا يعمرونه فأهلك الله بختنصر ببعوضة دخلت دماغه ونجا الله من بقي من بني إسرائيل ولم يمت ببابل أحد وردهم جميعا إلى بيت المقدس ونواحيه وعمروها ثلاثين سنة وكثروا حتى عادوا على أحسن ما كانوا عليهه فلما مضت المائة أحيا الله منه عينيه وسائر جسده ميت ثم أحيا جسده وهو ينظر إليه ثم نظر إلى حماره فإذا عطامه متفرقة بيض تلوح فسمع صوتا من السماء أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع بعضها إلى بعض واتصل بعضها ببعض ثم نودي أن الله يأمرك أن تكتسي لحما وجلدا فكانت كذلك ثم نودي أن الله يأمرك أن تحيا فقام بإذن الله ونهق وعمر الله أرمياء فهو الذي يرى في الفلوات فذلك قوله تعالى (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) أي أحياه (قال كم لبثت) أي كم مكثت يقال لما أحياه الله بعث إليه ملكا فسأله كم لبثت (قال لبثت يوما) وذلك أن الله تعالى أماته ضحى في أول النهار وأحياه بعد مائة عام في آخر النهار قبل غيبوبة الشمس فقال كم لبثت قال لبثت يوما وهو يرى أن الشمس قد غربت ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال (أو بعض يوم) بل بعض يوم (قال) له الملك (بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك) يعني التين (وشرابك) يعني العصير (لم يتسنه) أي لم يتغير فكان التين كأنه قطف في ساعته والعصير كأنه عصر في ساعته قال الكسائي كأنه لم تأت عليه السنون وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب (لم يتسن) بحذف الهاء في الوصل وكذلك (فبهداهم اقتده) وقرأ الآخرون بالهاء فيهما وصلا ووقفا فمن أسقط الهاء في الوصل جعل الهاء صلة زائدة وقال أصله يتسنى فحذف الياء بالجزم وأبدل منه هاء في الوقف وقال أبو عمرو وهو من التسنن بنونين وهو التغير كقوله تعالى (من حمأ مسنون) أي متغير فعوضت من أحد النون ياء كقوله تعالى (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) أي يتمطط وقوله (وقد خاب من دساها) وأصله دسسها ومن أثبت الهاء في الحالية جعل الهاء أصلية لام الفعل وهذا على قول من جعل أصل السنة السنة وتصغيرها سنيهة والفعل من المسانهة وإنما قال (لم يتسنه) ولم يثنه مع أنه أخبر عن شيئين ردا للمتغير إلى أقرب اللفظين به وهو الشراب واكتفى بذكر أحد المذكورين لأنه في معنى الآخر (وانظر إلى حمارك) فنظر فإذا هو عظام بيض فركب الله تعالى العظام بعضها على بعض فكساه اللحم والجلد وأحياه وهو ينظر (ولنجعله آية للناس) قيل الواد زائدة مقحمة وقال الفراء أدخلت الواو فيه دلالة على أنها شرط لفعل بعدها معناه ولنجعلك آية عبرة ودلالة على البعث بعد الموت قاله أكثر المفسرين وقال الضحاك وغيره إنه عاد إلى قريته شابا وأولاده وأولاد أولاده شيوخ وعجائز وهو أسود الرأس واللحية قوله تعالى (وانظر إلى العظام كيف ننشزها) قرأ أهل الحجاز والبصرة (ننشرها) بالراء معناه نحييها يقال أنشر الله الميت إنشارا وأنشره نشورا قال الله تعالى (ثم إذا شاء أنشره) وقال في اللازم (وإليه النشور) وقال الآخرون بالزاي أي نرفعها
(٢٤٥)