تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٣٤
وهرب وتوارى فلما أصبح طالوت ورأى ذلك سلط على داود العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه ثم إن طالوت ركب يوما فوجد داود يمشي في البرية فقال اليوم أقتله فركض على أثره واشتد داود وكان إذا فزع لم يدرك فدخل غارا فأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فنسج عليه بيتا فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال لو كان دخل ههنا لخرق بناء العنكبوت فتركه ومضى وانطلق داود وأتى الجبل مع المتعبدين فتعبد فيه فطعن العلماء والعباد على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلا قتله وأغرى على قتل العلماء فلم يكن يقدر على عالم في بني إسرائيل يطيق قتله إلا قتله حتى أتى بامرأة تعلم اسم الله الأعظم فأمر خبازه بقتلها فرحمها الخباز وقال لعلنا نحتاج إلى عالم فتركها فوقع في قلب طالوت التوبة وندم على ما فعل وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس وكان كل ليلة يخرج إلى القبور فيبكي وينادي أنشد الله عبدا يعلم أن لي توبة إلا أخبرني بها فلما أكثر عليهم ناداه مناد من القبور يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتا فازداد بكاء وحزنا فرحمه الخباز فقال ما لك أيها الملك قال هل تعلم لي في الأرض عالما أسأله هل لي من توبة فقال للخباز إنما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء فصاح الديك فتطير منه فقال لا تتركوا في القرية ديكا إلا ذبحتموه فلما أراد أن ينام قال لأصحابه إذا صاح الديك فأيقظونا حتى ندلج فقالوا له وهل تركت ديكا نسمع صوته ولكن هل تركت عالما في الأرض فازداد حزنا وبكاء فلما رأى الخباز ذلك قال له أرأيتك إن دللتك على عالم لعلك أن تقتله قال لا فتوثق عليه الخباز فأخبره أن المرأة العالمة عنده قال انطلق بي إليها أسألها هل لي من توبة وكانت من أهل بيت يعلم الاسم الأعظم فإذا فنيت رجالهم علمت نساؤهم فلما بلغ طالوت الباب قال الخباز إنها إذا رأتك فزعت ولكن ائت خلفي ثم دخلا عليها فقال لها ألست أعظم الناس منة عليك أنجيتك من القتل وآويتك قالت بلى قال فإن لي إليك حاجة هذا طالوت يسأل هل لي من توبة فغشي عليها من الفرق فقال لها إنه لا يريد قتلك ولكن يسألك هل له من توبة قالت لا والله لا أعلم لطالوت توبة ولكن أعلم مكان قبر نبي فانطلقت بهما إلى قبر اشمويل فصلت ودعت ثم نادت يا صاحب القبر فخرج اشمويل من القبر ينفض رأسه من التراب فما نظر إليهم ثلاثتهم قال ما لكم أقامت القيامة قالت لا ولكن طالوت يسألك هل له من توبة قال اشمويل يا طالوت ما فعلت بعدي قال لم أدع من الشر شيئا إلا أتيته وجئت لطلب التوبة قال له كم لك عيال يعني كم لك من الولد قال عشرة رجال قال ما أعلم لك من توبة إلا أن تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك تقاتل في سبيل الله ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ثم تقاتل أنت حتى تقتل آخرهم ثم رجع اشمويل إلى القبر وسقط وخر ميتا ورجع طالوت أحزن ما كان رهبة أن لا يتابعه ولده وقد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فدخل عليه أولاده فقال لهم أرأيتم لو دفعت إلى النار هل كنتم تفدونني قالوا بلى نفديك بما قدرنا عليه قال فإنها النار إن لم تفعلوا ما أقول لكم قالوا فاعرض علينا فذكر لهم القصة قالوا وإنك لمقتول قال نعم قالوا فلا خير لنا في الحياة بعدك قد طابت أنفسنا بالذي سألت فتجهز بماله وولده فتقدم ولده وكانوا عشرة فقاتلوا بين يديه حتى قتلوا ثم شد هو
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»