تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٠٤
وأراد به أنه كان يخرج إلى الغزو ولم يغش نساءه فتضيع أقراؤهن وإنما تضيع بالسفر زمان الطهر لا زمان الحيض وفائدة الخلاف تظهر في أن المعتدة إذا شرعت في الحيضة الثالثة تنقضي عدتها على قول من يجعلها أطهارا وتحسب بقية الطهر الذي وقع فيه الطلاق قرءا قالت عائشة رضي الله عنها إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ومن ذهب إلى أن الاقراء هي الحيض يقول لا تنقضي عدتها مالم تطهر من الحيضية الثالثة وهذا الخلاف من حيث إن اسم القرء يقع على الطهر والحيض جميعا يقال أقرأت المرأة إذا حاضت وأقرأت إذا طهرت فهي مقرئ واختلفوا في أصله فقال أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة هو الوقت لمجيء الشيء وذهابه يقال رجع فلان لقرئه ولقارئه أي لوقته الذي يرجع فيه وهذا قارئ الرياح أي وقت هبوبها قال مالك بن الحرث الهذلي (كرهت العقر عقر بني سليل إذا هبت لقارئها الرياح) أي لوقتها والقرء يصلح للوجهين لأن الحيض يأتي لوقت والطهر مثله وقيل هو من القرء وهو الحبس والجمع تقول العرب ما قرأت الناقة سلا قط أي لم تضم رحمها على ولد ومنه قريت الماء في المقرأة وهي الحوض أي جمعته بترك همزها فالقرء ههنا احتباس الدم واجتماعه فعلى هذا يكون الترجيح فيه للطهر لأنه يحبس الدم ويجمعه والحيض يرخيه ويرسله وجملة الحكم في العدد أن المرأة إذا كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل سواء وقعت الفرقة بينها وبين الزوج بالطلاق أو بالموت لقوله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فإن لم تكن حاملا نظر إن وقعت الفرقة بينهما بموت الزوج فعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر سواء مات الزوج قبل الدخول أو بعده وسواء كانت المرأة ممن تحيض أو لا تحيض لقول الله عز وجل (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسه أربعة أشهر وعشرا) وإن وقعت الفرقة بينهما بالطلاق في الحياة نظر أكان قبل الدخول بها فلا عدة عليها لقول الله تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) وإن كان بعد الدخول نظر إن كانت المرأة لم تحض قط أو بلغت في الكبر سن الآيسات فعدتها ثلاثة أشهر لقول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) وإن كانت ممن تحيض فعدتها ثلاثة أقرؤ لقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقوله (يتربصن بأنفسهن) لفظه خبر ومعناه أمر وعدة الأمة إن كانت حاملا بوضع الحمل كالحرة وإن كانت حائلا ففي الوفاة عدتها شهران وخمس ليال وفي الطلاق إن كانت تحيض فعدتها قرآن وإن كانت ممن لا تحيض فشهر ونصف وقيل شهران كالقرءين في حق ممن تحيض قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينكح العبد امرأتين ويطلق طلقتين وتعتد الأمة بحيضتين فإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهرا ونصفا قوله عز وجل (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قال عكرمة يعني الحيض وهو أن يريد الرجل مراجعتها فتقول قد حضت الثلاثة وقال ابن عباس وقتادة يعني الحمل ومعنى الآية لا يحل للمرأة كتمان ما خلق الله في رحمها
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»