تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ١٩٣
الحد تاما وما روي عن عمر وأبي عبيدة ومعاذ في الطلاء فهو فيما طبخ حتى خرج عن أن يكون مسكرا سئل ابن عباس عن الباذق فقال سبق محمد الباذق فما أسكر فهو حرام قوله تعالى (والميسر) يعني القمار قال ابن عباس كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله فأنزل الله تعالى هذه الآية والميسر مفعل من قولهم يسر لي الشيء إذا وجب ييسر يسرا وميسرا ثم قيل للقمار ميسر وللمقامر ياسر ويسر وكان أصل الميسر في الجزور وذلك أن أهل الثروة من العرب كانوا يشترون جزورا فينحرونها ويجزؤونها عشرة أجزاء ثم يسهمون عليها بعشرة قداح يقال لها الأزلام والأقلام السبعة منها أنصباء وهي الفذ وله نصيب واحد والتوأم وله نصيبان والرقيب وله ثلاثة أسهم والحلس وله أربعة والنافس وله خمسة والمسبل وله ستة والمعلى وله سبعة وثلاثة منها لا أنصباء لها وهي المنيح والسفيح والوغد ثم يجعلون القداح في خريطة تسمى الريابة ويضعونها على يدي رجل عدل عندهم يسمى المحيل والمفيض ثم يحيلها ويخرج قدحا منها باسم رجل منهم فأيهم خرج اسمه أخذ نصيبه على قدر ما خرج فإن خرج له واحد من هذه الثلاثة التي لا أنصباء لها كان لا يأخذ شيئا ويغرم ثمن الجزور كله وقال بعضهم كان لا يأخذ شيئا ولا يغرم ويكون ذلك القدح لغوا ثم يدفعون ذلك الجزور إلى الفقراء ولا يأكلون منه شيئا وكانوا يفتخرون بذاك ويذمون من لم يفعل ذلك ويسمونه البرم وهو أصل القمار الذي كانت تفعله العرب والمراد من الآية أنواع القمار كلها قال طاوس وعطاء ومجاهد كل شيء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب وروي عن علي رضي الله عنه في النرد والشطرنج أنهما من الميسر (قل فيهما إثم كبير) وزر عظيم من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش قرأ حمزة والكسائي (إثم كبير) بالثاء المثلثة وقرأ الباقون بالباء فالإثم في الخمر والميسر ما ذكره الله في سورة المائدة (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الل وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (ومنافع للناس) فمنفعة الخمر اللذة عند شربها والفرح واستمراء الطعام وما يصيبون من الربح بالتجارة فيها ومنفعة الميسر إصابة المال من غير كد ولا تعب وارتفاق الفقراء به والإثم فيه أنه إذا ذهب ماله من غير عوض ساءهه ذلك فعادى صاحبه فقصده بالسوء (وإثمهما أكبر من نفعهما) قال الضحاك وغيره إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم هو ما يحصل به من العداوة والبغضاء قوله تعالى (ويسألونك ماذا ينفقون) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثهم على الصدقة فقالوا ماذا ننفق فقال (قل العفو) قرأ أبو عمرو والحسن وقتادة وابن أبي إسحق (العفو) بالرفع معناه أي الذي ينفقون هو العفو وقرأ الآخرون بالنصب على معنى قل أنفقوا العفو واختلفوا في معنى العفو فقال قتادة وعطاء والسدي هو ما فضل عن الحاجة وكانت الصحابة يكتسبون المال ويمسكون قدر النفقة ويتصدقون بالفضل بحكم هذه الآية ثم نسخ بآية الزكاة وقال مجاهد معناه التصدق عن ظهر غنى حتى لا يبقى كلا على الناس أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن مخمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»