تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ٢٧٩
فقام رجل من الأنصار قال: أنا يا رسول الله. فأتى به منزله، فقال لأهله: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرميه ولا تدخري عنه شيئا. فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبية. قال: قومي فعلليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعموا شيئا، ثم أسرجي فأبرزي، فإذا أخذ الضيف ليأكل قومي كأنك تصلحين السراج فأطفئيه وتعالي نمضغ ألسنتنا لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يشبع ضيف رسول الله. قال: فقامت إلى الصبية فعللتهم حتى ناموا عن قوتهم ولم يطعموا شيئا، ثم قامت فأبرزت وأسرجت فلما أخذ الضيف ليأكل قامت كأنها تصلح السراج فأطفأته، وجعلا يمضغان ألسنتهما لضيف رسول الله (عليه السلام) فظن الضيف أنهما يأكلان معه، حتى شبع ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وباتا طاويين. فلما أصبحا عدوا إلى رسول الله (عليه السلام)، فلما نظر إليهما تبسم ثم قال: (لقد عجب الله من فلان وفلانة هذه الليلة). فأنزل الله سبحانه: " * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) *) الآية.
قال أنس بن مالك: أهدي لبعض الصحابة رأس شاة مشوي وكان مجهودا، فوجهه إلى جار له فتناوله تسعة أنفس ثم عاد إلى الأول، فأنزل الله سبحانه: " * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) *).
ويحكى عن أبي الحسن الأنطاكي أنه اجتمع عنده نيف وثلاثون رجلا بقرية بقرب الري ولهم أرغفة معدودة لم تسع جميعهم ونشروا الرغفان وأطفؤوا السراج وجلسوا للطعام، فلما رفع فإذا الطعام بحاله لم يأكل واحد منهم إيثارا لصاحبه.
ويحكى عن حذيفة العدوي قال: انطلقت يوم اليرموك لطلب ابن عم لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيقه ومسحت وجهه، فإذا أنا به، قلت: أسقيك؟ فأشار أي نعم، فإذا رجل يقول: آه، فأشار ابن عمي أن انطلق به إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر قال: آه، فأشار هشام أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو قدمات، ثم رجعت إلى هشام فإذا هو قدمات، ثم رجعت إلى ابن عمي فإذا قد مات رحمه الله.
سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبيد الله الجرجاني يقول: سمعت الحسن بن علوية الدامغاني يحكي عن أبي يزيد البسطامي قال: ما غلبني أحد مثل ما غلبني شاب من أهل بلخ قدم علينا حاجا، فقال لي: يا أبا يزيد، ما حد الزهد عندكم؟ قلت: إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا. فقال هكذا عندنا كلاب بلخ. فقلت: ماحد الزهد عندكم؟ فقال: إذا فقدنا صبرنا، وإذا وجدنا آثرنا.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم البلاذري يقول: سمعت بكر بن عبد الرحمن يقول: سئل ذو النون المصري عن علامة الزاهد المشروح صدره فقال: ثلاث: تفريق المجموع، وترك طلب المفقود، والإيثار عند القوت.
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»