تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ٢٥٦
نطيعكما حتى تعقرا الناقة فإن عقرتماها أطعناكما، فلما أتياهما قالتا لهما هذه المقالة فقالا: يكون من وراء عقرهما.
وقال ابن إسحاق وغيره: فانطلق قدار ومصدع وأصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار في أصل حفرة على طريقها، وكمن لها مصدع في طريق آخر فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت أم غنم وعنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس فاستقرت لقدار ثم دمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاة واحدة فحدر سقبها ثم طعن في لبتها فنحرها.
وخرج أهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه فلما رأى سقبها ذلك انطلق حتى أتى جبلا منيعا يقال له صور، وقيل: اسمه قارة، وأتى صالح فقال له: أدرك الناقة قد عقرت فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه يا نبي الله إنما عقرها فلان وفلان ولا ذنب لنا. فقال صالح (عليه السلام): أنظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب. فخرجوا يطلبونه فلما رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه فأوحى الله عز وجل إلى الجبل فتطاول في السماء حتى لا تناله الطير. وجاء صالح (عليه السلام) فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم استقبل صالحا فرغا رغوة ثم رغا أخرى ثم رغا أخرى.
فقال صالح (عليه السلام): لكل رغاة أجل يومكم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب.
وقال ابن إسحاق: أتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة وفيهم مصدع ابن مهرج وأخوه دأب بن مهرج فرمى مصدع بسهم فانتظم قلبه ثم جر برجله وأنزله وألقوا لحمه مع لحم أمه. فقال لهم صالح: انتهكتم حرمة الله تعالى فأبشروا بعذاب الله ونقمته، فقالوا له وهم يهزأون به: ومتى ذلك يا صالح وما آية ذلك؟ وكان يسمون الأيام فيهم الأحد الأول والأثنين أميون والثلاثاء دبار والأربعاء جبار والخميس مؤنس والجمعة غروبة والسبت شيار. وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح (عليه السلام) حين قالوا ذلك: تصبحون غداء يوم مؤنس ووجوهكم مصفرة، ثم تصبحون يوم غروبة ووجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم شيار ووجوهكم مسودة، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة كأنما طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وإناثهم، فأيقنوا العذاب وعرفوا أن صالحا قد صدقهم فطلبوه ليقتلوه، وخرج صالح هاربا حتى لجأ إلى بطن من ثمود، يقال له: بنو غنم، فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له: نفيل ويكنى أبا هدب وهو مشرك فغيبه فلم يقدروا عليه، وقعدوا على أصحاب صالح يعذبونهم ليدلوهم عليه.
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»