أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٩٢
به، لأن الأديان التي كانت في ذلك الزمان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة وعباد الأصنام من السند وغيرهم، فلم تبق من أهل هذه الأديان أمة إلا وقد ظهر عليهم المسلمون فقهروهم وغلبوهم على جميع بلادهم أو بعضها وشردوهم إلى أقاصي بلادهم، فهذا هو مصداق هذه الآية التي وعد الله تعالى رسوله فيها إظهاره على جميع الأديان، وقد علمنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ولا يوحي به إلا إلى رسله، فهذه دلالة واضحة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: كيف يكون ذلك إظهارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع الأديان وإنما حدث بعد موته؟ قيل له: إنما وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يظهر دينه على سائر الأديان لأنه قال:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) يعني دين الحق، وعلى أنه لو أراد رسوله لكان مستقيما، لأنه إذا أظهر دينه ومن آمن به على سائر الأديان فجائز أن يقال قد أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أن جيشا لو فتحوا بلدا عنوة جاز أن يقال إن الخليفة فتحه وإن لم يشهد القتال، إذ كان بأمره وتجهيزه للجيش فعلوا.
وقوله تعالى: (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) إلى قوله: (وفتح قريب). وهذا أيضا من دلائل النبوة لوعده من أمر بالنصر والفتح، وقد وجد ذلك لمن آمن منهم، والله الموفق. آخر سورة الصف.
(٥٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 587 588 589 590 591 592 593 594 595 596 597 ... » »»