ومن سورة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم). قيل: إنما سموا أميين لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرأون الكتابة، وأراد الأكثر الأعم وإن كان فيهم القليل ممن يكتب ويقرأ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الشهر هكذا وهكذا " وأشار بأصابعه، وقال: " إنا نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ". وقال تعالى: (رسولا منهم) لأنه كان أميا، وقال تعالى:
(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) [الأعراف: 157]. وقيل إنما سمي من لا يكتب أميا لأنه نسب إلى حال ولادته من الأم، لأن الكتابة إنما تكون بالاستفادة والتعلم دون الحال التي يجري عليها المولود. وأما وجه الحكمة في جعل النبوة في أمي فإنه ليوافق ما تقدمت به البشارة في كتب الأنبياء السالفة، ولأنه أبعد من توهم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة بالكتابة، فهذان وجهان من الدلالة في كونه أميا على صحة النبوة. ومع أن حاله مشاكلة لحال الأمة الذين بعث فيهم وذلك أقرب إلى مساواته لو كان ذلك ممكنا فيه، فدل عجزهم عما أتى به على مساواته لهم في هذا الوجه على أنه من قبل الله عز وجل.
وقوله تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها) الآية. روي أنه أراد اليهود الذين أمروا بتعلم التوراة والعمل بها فتعلموها ثم لم يعملوا بها، فشبههم الله بالحمار الذي يحمل الكتب - وهي الأسفار - إذ لم ينتفعوا بما حملوه كما لا ينتفع الحمار بالكتب التي حملها، وهو نحو قوله: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) [الفرقان: 44] وقوله: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) [الأعراف:
175] إلى قوله: (كمثل الكلب) [الأعراف: 176].
وقوله تعالى: (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس إلى قوله: (والله عليم بالظالمين). روي أن اليهود زعموا أنهم أولياء لله من دون الناس، فأنزل الله هذه الآية، وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إن تمنوه ماتوا، فقامت الحجة عليهم بها