قال: والحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك أن يدخل المسجد الحرام " إنما هو خراج الجزية. قال أبو بكر:
عبد الله بن مسعود أنه اشترى أرض خراج، وروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا " قال عبد الله: وبراذان ما براذان! وبالمدينة ما بالمدينة! وذلك أنه كانت له ضيعة براذان وراذان من أرض الخراج. وروي أن الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم اشتروا من أرض السواد، فهذا يدل على معنيين: أحدهما أنها أملاك لأهلها، والثاني: أنه غير مكروه للمسلم شراها. وروي عن علي وعمر رضي الله عنهما فيمن أسلم من أهل الخراج: " أنه إن أقام على أرضه أخذ منه الخراج ". وروي عن ابن عباس أنه كره شرى أرض أهل الذمة، وقال: " لا تجعل ما جعل الله في عنق هذا الكافر في عنقك "، وقال ابن عمر مثل ذلك، وقال: " لا تجعل في عنقك الصغار ". قال أبو بكر: وخراج الأرض ليس بصغار، لأنا لا نعلم خلافا بين السلف أن الذمي إذا كانت له أرض خراج فأسلم أنه يؤخذ الخراج من أرضه ويسقط عن رأسه، فلو كان صغارا لسقط بالإسلام، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " منعت العراق قفيزها ودرهمها " يدل على أنه واجب على المؤمنين، لأنه أخبر عما يمنع المسلمون من حق الله في المستقبل، ألا ترى أنه قال:
" وعدتم كما بدأتم؟ " والصغار لا يجب على المسلمين وإنما يجب على الكفار للمسلمين.
وقوله تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم)، يعني والله أعلم: أن ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول وللذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، يعني الأنصار. وقد كان إسلام المهاجرين قبل إسلام الأنصار، ولكنه أراد الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل هجرة المهاجرين.
وقوله تعالى: (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا)، قال الحسن: يعني أنهم لا يحسدون المهاجرين على فضل آتاهم الله تعالى. وقيل: لا يجدون في أنفسهم ضيقا لما ينفقونه عليهم.
وقوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، الخصاصة الحاجة، فأثنى عليهم بإيثارهم المهاجرين على أنفسهم فيما ينفقونه عليهم وإن كانوا هم محتاجين إليه.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال له: معي دينار! فقال: " انفقه على نفسك " فقال: معي دينار آخر! فقال: " أنفقه على عيالك " فقال: معي دينار آخر! قال:
" تصدق به "، وأن رجلا جاء ببيضة من ذهب فقال: يا رسول الله تصدق بهذه فإني ما