أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٧١
باب كيف يحيى أهل الكتاب قال الله تعالى: " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله). روى سعيد عن قتادة عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذ أتى عليهم يهودي، فسلم عليهم فردوا عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل تدرون ما قال؟ " قالوا: سلم يا نبي الله!
قال: " قال سام عليكم أي تسامون دينكم ". وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك أي عليك ما قلت ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إسحاق بن الحسين قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا لقيم المشركين في الطريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه ". قال أبو بكر: قد روي في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون بقولهم السام أنكم تسامون دينكم، وروي أنهم يريدون به الموت، لأن السام اسم من أسماء الموت.
قال أبو بكر: ذكر هشام عن محمد عن أبي حنيفة قال: " نرى أن نرد على المشرك السلام ولا نرى أن نبدأه ". وقال محمد: " وهو قول العامة من فقهائنا ". وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا معاذ بن المثنى قال: حدثنا عمرو بن مرزوق قال: حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: صحبنا عبد الله في سفر ومعنا أناس من الدهاقين، قال: فأخذوا طريقا غير طريقنا، فسلم عليهم، فقلت لعبد الله: أليس هذا تكره؟ قال: إنه حق الصحبة. قال أبو بكر: ظاهره يدل على أن عبد الله بدأهم بالسلام لأن الرد لا يكره عند أحد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم ". قال أبو بكر: وإنما كره الابتداء لأن السلام من تحية أهل الجنة، فكره أن يبدأ به الكافر إذ ليس من أهلها، ولا يكره الرد على وجه المكافأة، قال الله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [النساء: 86]. وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا الحسن بن المثنى قال: حدثنا عثمان قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا سليمان الأعمش قال:
قلت لإبراهيم: أختلف إلي طبيب نصراني أسلم عليه؟ قال:، نعم إذا كانت لك إليه حاجة فسلم عليه.
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا) قال قتادة: " كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لهم تفسحوا ". وقال ابن عباس: " هو مجلس القتال ". قال قتادة: (وإذا قيل انشزوا) قال: " إذا دعيتم إلى خير ". وقيل:
انشزوا أي ارتفعوا في المجلس، ولهذا ذكر أهل العلم لأنهم أحق بالرفعة. وهذا يدل
(٥٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 566 567 568 569 570 571 572 573 574 575 576 ... » »»