غير بيوتكم " في سائر الناس غيرهم، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ".
وقوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا). روى سعيد عن قتادة قال: " كان هذا الحي من كنانة بني خزيمة يرى أحدهم أنه محرم عليه أن يأكل وحده في الجاهلية، حتى أن الرجل ليسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه، فأنزل الله: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) ". وروى الوليد بن مسلم قال: حدثنا وحشي بن حرب عن أبيه عن جده وحشي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إنا نأكل ولا نشبع، قال: " فلعلكم تفترقون؟ " قالوا: نعم، قال: " فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه ". وقال ابن عباس: (جميعا أو أشتاتا) " المعنى: يأكل مع الفقير في بيته ". وقال أبو صالح: " كان إذا نزل بهم ضيف تحرجوا أن يأكلوا إلا معه ". وقيل: " إن الرجل كان يخاف إن أكل مع غيره أن يزيد أكله على أكل صاحبه، فامتنعوا لأجل ذلك من الاجتماع على الطعام ". قال أبو بكر: هذا تأويل محتمل، وقد دل على هذا المعنى قوله: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم) [البقرة: 220]، فأباح لهم أن يخلطوا طعام اليتيم بطعامهم فيأكلوه جميعا، ونحوه قوله: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أذكى طعاما فليأتكم برزق منه) [الكهف: 19]، فكان الورق لهم جميعا والطعام بينهم فاستجازوا أكله، فكذلك قوله: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا) يجوز أن يكون مراده أن يأكلوا جميعا طعاما بينهم، وهي المناهدة التي يفعلها الناس في الأسفار.
وقوله تعالى: (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية)، روى معمر عن الحسن: " فسلموا على أنفسكم، يسلم بعضكم على بعض، كقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) [النساء: 29] ". وروى معمر عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: " هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ". وقال نافع عن ابن عمر:
" أنه كان إذا دخل بيتا ليس فيه أحد قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإذا كان فيه أحد قال: السلام عليكم، وإذا دخل المسجد قال: بسم الله السلام على رسول الله ".
وقال الزهري: (فسلموا على أنفسكم) " إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليه، وإذا دخلت بيتا لا أحد فيه فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه كان يأمر بذلك حدثنا أن الملائكة ترد عليه ".
قال أبو بكر: لما كان اللفظ محتملا لسائر الوجوه تأوله السلف عليها وجب أن يكون الجميع مرادا بعموم اللفظ.