أولادكم "، فاكتفى بذكر بيوت أنفسكم عن ذكر بيوت الأولاد، إذ كانت منسوبة إلى الآباء.
وقوله تعالى: (أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم)، روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أو ما ملكتم مفاتحه) قال: " هو الرجل يؤكل الرجل بصنعته، يرخص له أن يأكل من ذلك الطعام والثمر ويشرب من ذلك اللبن " وعن عكرمة في قوله: (أو ما ملكتم مفاتحه) قال: " إذا ملك المفتاح فهو جائز ولا بأس أن يطعم الشيء اليسير ".
وروى سعيد عن قتادة في قوله: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج) قال:
" كان الرجل لا يضيف أحدا ولا يأكل من بيت غيره تأثما من ذلك، وكان أول من رخص الله له في ذلك ثم رخص للناس عامة، فقال: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) إلى قوله: (أو ما ملكتم مفاتحه) مما عندك يا ابن آدم، أو صديقكم، ولو دخلت على صديق فأكلت من طعامه بغير إذنه كان ذلك حلالا ". قال أبو بكر وهذا أيضا مبني على ما جرت العادة بالإذن فيه فيكون المعتاد من ذلك كالمنطوق به، وهو مثل ما تتصدق به المرأة من بيت زوجها بالكسرة ونحوها من غير استئذانها إياه، لأنه متعارف أنهم لا يمنعون من مثله، كالعبد المأذون والمكاتب يدعوان إلى طعامهما ويتصدقان باليسير مما في أيديهما فيجوز بغير إذن المولى.
وقوله: (أو صديقكم)، روى الأعمش عن نافع عن ابن عمر قال: " لقد رأيتني وما الرجل المسلم بأحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم ". وروى عبد الله الرصافي عن محمد بن علي قال: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى أحدهم أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه ". وروى إسحاق بن كثير قال: حدثنا الرصافي قال: " كنا عند أبي جعفر يوما فقال: هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو كيسه فيأخذ ماله؟ قلنا: لا، قال:
ما أنتم بإخوان ".
قال أبو بكر: قد دلت هذه الآية على أن من سرق من ذي رحم محرم أنه لا يقطع، لإباحة الله لهم بهذه الآية الأكل من بيوتهم ودخولها من غير إذنهم فلا يكون ماله محرزا منهم.
فإن قيل: فينبغي أن لا يقطع إذا سرق من صديقه، لأن في الآية إباحة الأكل من طعامه. قيل له: من أراد سرقة ماله لا يكون صديقا له.
وقد قيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا)، وبقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه ". قال أبو بكر:
ليس في ذلك ما يوجب نسخه، لأن هذه الآية فيمن ذكر فيها، وقوله: " لا تدخلوا بيوتا