أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٣٥
وقوله تعالى: (تحية من عند الله مباركة طيبة)، يعني أن السلام تحية من الله، لأن الله أمر به، وهي مباركة طيبة لأنه دعاء بالسلامة فيبقى أثره ومنفعته. وفيه الدلالة على أن قوله: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [النساء: 86] قد أريد به السلام.
وقوله تعالى: (وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه)، قال الحسن وسعيد بن جبير: " في الجهاد ". وقال عطاء: " في كل أمر جامع ". وقال مكحول: " في الجمعة والقتال ". وقال الزهري: " الجمعة "، وقال قتادة: " كل أمر هو طاعة لله ". قال أبو بكر: هو في جميع ذلك لعموم اللفظ. وقال سعيد عن قتادة: (إذا كانوا معه على أمر جامع) الآية، قال: " كان الله أنزل قبل ذلك في سورة براءة: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) [التوبة: 43] فرخص له في هذه السورة: (فأذن لمن شئت منهم) فنسخت هذه الآية التي في سورة براءة ". وقد قيل: إنه لا معنى للاستئذان للمحدث في الجمعة لأنه لا وجه لمقامه ولا يجوز للإمام منعه، فلا معنى للاستئذان فيه، وإنما هو فيما يحتاج الإمام فيه إلى معونتهم في القتال أو الرأي.
وقوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)، روي عن ابن عباس قال: " يعني احذروا إذا أسخطتموه دعاءه عليكم فإن دعاءه مجاب ليس كدعاء غيره ". وقال مجاهد وقتادة: " ادعوه بالخضوع والتعظيم نحو يا رسول الله يا نبي الله ولا تقولوا يا محمد كما يقول بعضكم لبعض ". قال أبو بكر: هو على الأمرين جميعا لاحتمال اللفظ لهما.
وقوله تعالى: (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا)، يعني به المنافقين الذين كانوا ينصرفون عن أمر جامع من غير استئذان يلوذ بعضهم ببعض ويستتر به لئلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا.
قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، معناه: فليحذر الذين يخالفون أمره. ودخل عليه حرف الجر لجواز ذلك في اللغة، كقوله: (فبما نقضهم ميثاقهم) [النساء: 155] معناه: فبنقضهم ميثاقهم.
و " الهاء " في " أمره " يحتمل أن يكون ضميرا للنبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ضميرا لله تعالى، والأظهر أنها لله لأنه يليه، وحكم الكناية رجوعها إلى ما يليها دون ما تقدمها.
وفيه دلالة على أن أوامر الله على الوجوب، لأنه ألزم اللوم والعقاب لمخالفة الأمر، وذلك يكون على وجهين، أحدهما: أن لا يقبله فيخالفه بالرد له، والثاني: أن لا يفعل المأمور به وإن كان مقرا بوجوبه عليه ومعتقدا للزومه، فهو على الأمرين جميعا ومن
(٤٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 ... » »»