أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٣١
مسعود ومجاهد: " والقواعد اللاتي لا يرجون نكاحا هن اللاتي لا يردنه، وثيابهن جلابيبهن ". وقال إبراهيم وابن جبير: " الرداء ". وقال الحسن: " الجلباب والمنطق ".
وعن جابر بن زيد: " يضعن الخمار والرداء ".
قال أبو بكر: لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة، وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاتها، فغير جائز أن يكون المراد وضع الخمار بحضرة الأجنبي.
فإن قيل: إنما أباح الله تعالى لها بهذه الآية أن تضع خمارها في الخلوة بحيث لا يراها أحد. قيل له: فإذا لا معنى لتخصيص القواعد بذلك، إذ كان للشابة أن تفعل ذلك في خلوة، وفي ذلك دليل على أنه إنما أباح للعجوز وضع ردائها بين يدي الرجال بعد أن تكون مغطاة الرأس، وأباح لها بذلك كشف وجهها ويدها لأنها لا تشتهي، وقال تعالى: (وأن يستعففن خير لهن)، فأباح لها وضع الجلباب، وأخبر أن الاستعفاف بأن لا تضع ثيابها أيضا بين يدي الرجال خير لها.
وقوله تعالى: (ليس على الأعمى حرج) الآية. قال أبو بكر: قد اختلف السلف في تأويله وسبب نزوله، فحدثنا جعفر بن محمد بن الحكم قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان: قال حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) قال: " لما نزلت: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) [البقرة: 188] قال المسلمون: إن الله تعالى قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل وإن الطعام من أفضل أموالنا ولا يحل لأحد أن يأكل عند أحد، فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله تعالى: (ليس على الأعمى حرج) الآية ". فهذا أحد التأويلات. وحدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في هذه الآية قال: " كان رجال زمنى وعميان وعرجان وأولو حاجة يستتبعهم رجال إلى بيوتهم فإن لم يجدوا لهم طعاما ذهبوا إلى بيوت آبائهم ومن معهم، فكره المستتبعون ذلك، فنزلت: (ولا جناح عليكم) [النساء: 29] الآية، وأحل لهم الطعام حيث وجدوه من ذلك ". فهذا تأويل ثان. وحدثنا جعفر بن محمد قال:
حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن مهدي عن ابن المبارك عن معمر قال: قلت للزهري: ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا ههنا؟
فقال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: " أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم
(٤٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»