يوم الخندق وله خمس عشرة سنة فأجازه " فإنه مضطرب، لأن الخندق كان في سنة خمس، وأحد في سنة ثلاث، فكيف يكون بينهما سنة! ثم مع ذلك فإن الإجازة في القتال لا تعلق لها بالبلوغ، لأنه قد يرد البالغ لضعفه ويجاز غير البالغ لقوته على القتال وطاقته لحمل السلاح، كما أجاز رافع بن خديج ورد سمرة بن جندب، فلما قيل له إنه يصرعه أمرهما فتصارعا، فصرعه سمرة فأجازه ولم يسأله عن سنه. وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل ابن عمر عن مبلغ سنه في الأول ولا في الثاني، وإنما اعتبر حاله في قوته وضعفه، فاعتبار السن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجازه في وقت ورده في وقت ساقط.
وقد اتفق الفقهاء على أن الاحتلام بلوغ، واختلفوا إذا بلغ خمس عشرة سنة ولم يحتلم، فقال أبو حنيفة: " لا يكون الغلام بالغا حتى يبلغ ثماني عشرة سنة ويستكملها، وفي الجارية سبع عشرة سنة ". وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي في الغلام والجارية:
" خمس عشرة سنة " وذهبوا فيه إلى حديث ابن عمر، وقد بينا أنه لا دلالة فيه على أنها حد البلوغ، ويدل عليه أنه لم يسأله عن الاحتلام ولا عن السن. ولما ثبت بما وصفنا أن الخمس عشرة ليست ببلوغ، وظاهر قوله: (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) ينفي أيضا أن تكون الخمس عشرة بلوغا على الحد الذي بينا، صار طريق إثبات حد البلوغ بعد ذلك الاجتهاد، لأنه حد بين الصغر والكبر الذين قد عرفنا طريقهما وهو واسطة بينهما، فكان طريقه الاجتهاد. وليس يتوجه على القائل بما وصفنا سؤال، كالمجتهد في تقويم المستهلكات وأروش الجنايات التي لا توقيف في مقاديرها ومهور الأمثال ونحوها.
فإن قيل: فلا بد من أن يكون اعتباره لهذا المقدار دون غيره لضرب من الترجيح على غيره يوجب تغليب ذلك في رأيه دون ما عداه من المقادير. قيل له: قد علمنا أن العادة في البلوغ خمس عشرة سنة، وكل ما كان طريقه العادات فقد تجوز الزيادة فيه والنقصان منه، وقد وجدنا من بلغ في اثنتي عشر سنة، وقد بينا أن الزيادة على المعتاد من الخمس عشرة جائزة كالنقصان عنه، فجعل أبو حنيفة الزيادة على المعتاد كالنقصان عنه وهي ثلاث سنين، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جعل المعتاد من حيض النساء ستا أو سبعا بقوله لحمنة بنت جحش: " تحيضين في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء في كل شهر " اقتضى ذلك أن يكون العادة ستا ونصفا لأنه جعل السابع مشكوكا فيه بقوله: " ستا أو سبعا ". ثم قد ثبت عندنا أن النقصان عن المعتاد ثلاث ونصف، لأن أقل الحيض عندنا ثلاث وأكثره عشرة، فكانت الزيادة على المعتاد بإزاء النقصان منه، وجب أن يكون كذلك اعتبار الزيادة على المعتاد فيما وصفنا. وقد حكي عن أبي حنيفة تسع عشرة سنة للغلام، وهو محمول على استكمال ثماني عشرة والدخول في التاسع عشرة.