أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٢٢
متى وجد حكم بوقوعه بحال متقدمة مثل من جرح رجلا فيكون حكم جراحته مراعى، فلو مات الجارح ثم مات المجروح من الجراحة حكمنا بأنه كان قاتلا يوم الجراحة مع استحالة وقوع القتل منه بعد موته، وكما أن رجلا لو حفر بئرا في طريق المسلمين ثم مات فوقعت فيها دابة لإنسان لحقه ضمانها وصار بمنزلة جنايته قبل الموت من بعض الوجوه، فلو كان ترك عبدا فأعتقه الوارث ثم وقعت فيها دابة ضمن الوارث قيمة العبد وحكمنا في باب الضمان بأن الجناية كانت موجودة يوم الموت. ولو أن رجلا مات وترك حملا فوضعته لأقل من سنتين بيوم ورثه، وإن كان معلوما أنه كان نطفة وقت موته ولم يكن ولدا ثم قد حكمنا له بحكم الولد حين وضعته. ولو أن رجلا مات وترك ابنين وألف درهم وعليه دين ألف درهم أنهما لا يرثانه، فإن مات أحد الابنين عن ابن ثم أبرأ الغريم من الدين أخذ ابن الميت منها حصته ميراثا عن أبيه، ومعلوم أن الابن لم يكن مالكا له يوم الموت ولكنه جعل في حكم المالك لتقدم سببه، كذلك المكاتب يحكم بعتقه عند الأداء قبل الموت بلا فصل، ألا ترى أن المقتول خطأ لا تجب ديته إلا بعد الموت وهو لا يملك بعد الموت شيئا؟ فجعلت الدية في حكم ما هو مالكه في باب كونها ميراثا لورثته وأنه يقضي منها دينه وتنفذ منها وصاياه.
قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا). روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: " كان عبد الله بن أبي يقول لجاريته اذهبي فابغينا شيئا، فأنزل الله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) الآية ". وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: (ومن يكرههن) الآية، قال: " لهن غفور رحيم ". قال أبو بكر: أخبر تعالى أن المكرهة على الزنا مغفور لها فعلته على وجه الإكراه، كما بين تعالى في آية أخرى أن الإكراه على الكفر يزيل حكمه إذا أظهره المكره عليه بلسانه، وإنما قال: (إن أردن تحصنا) لأنها لو أرادت الزنا ولم ترد التحصن ثم فعلته على ما ظهر من الإكراه وهي مريدة له، كانت آثمة بهذه الإرادة وكان حكم الإكراه زائلا عنها في الباطن وإن كان ثابتا في الظاهر، وكذلك من أكره على الكفر وهو يأباه في الظاهر إلا أنه فعله مريدا له لا على وجه الإكراه كان كافرا، وكذلك قال أصحابنا فيمن أكره على أن يقول: " الله ثالث ثلاثة " أو على أن يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فخطر بباله أن يقوله على وجه الحكاية عن الكفار أو أن يعتقد شتم محمد آخر غير النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصرف قصده ونيته إلى ذلك واعتقد أن يقوله على الوجه الذي أكره عليه، كان كافرا.
قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض روي). روي عن ابن عباس في إحدى الروايتين وعن أنس: " هادي أهل السماوات والأرض "، وعن ابن عباس أيضا وأبي العالية
(٤٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»