منسوخة، وأن مثل ذلك السبب لو عاد لعاد الحكم، وقال الشعبي أيضا إنها ليست بمنسوخة. وهذا نحو ما فرض الله تعالى من الميراث بالموالاة بقوله تعالى: (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) [النساء: 33]، فكانوا يتوارثون بذلك، فلما أوجب التوارث بالنسب جعل ذوي الأنساب أولى من مولى الموالاة، ومتى فقد النسب عاد ميراث المعاقدة والولاء. وقال جابر بن زيد في قوله: (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم): " أبناءهم الذين عقلوا ولم يبلغوا الحلم من الغلمان والجواري يستأذنون على آبائهم قبل صلاة الفجر وحين يقيلون ويخلون وبعد صلاة العشاء - وهي العتمة - فإذا بلغوا الحلم استأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم، إخوانهم إذا كانوا رجالا ونساء لا يدخلون على آبائهم إلا بإذن ساعة يدخلون أي ساعة كانت ". وروي ابن جريج عن مجاهد: (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) قال: " عبيدكم " (والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) قال: " من أحراركم "، وروي عن عطاء مثله. وأنكر بعضهم هذا التأويل، لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته، فكيف يجمع إلى الصبيان الذين هم غير مكلفين! قال: فالأظهر أن يكون المراد العبيد الصغار والإماء وصغارنا الذين لم يبلغوا الحلم. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ:
" ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم ". وقال سعيد بن جبير والشعبي:
" هذا مما تهاون به الناس وما نسخت ". وقال أبو قلابة: " ليس بواجب وهو كقوله تعالى:
(وأشهدوا إذا تبايعتم) [البقرة: 282] ". وقال القاسم بن محمد: " يستأذن عند كل عورة، ثم هو طواف بعدها "، يعني أنه يستأذن عند أوقات الخلوة والتفضل في الثياب وطرحها وهو طواف بعدها لأنها أوقات الستر، ولا يستطيع الخادم والغلام والصبي الامتناع من الدخول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة: " إنها من الطوافين عليكم والطوافات " يعني أنه لا يستطاع الامتناع منها. وروي أن رجلا قال لعمر: استأذن على أمي؟ قال: نعم، وكذلك قال ابن عباس وابن مسعود.
فصل قوله تعالى: (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) يدل على بطلان قول من جعل حد البلوغ خمس عشرة سنة إذا لم يحتلم قبل ذلك لأن، الله تعالى لم يفرق بين من بلغها وبين من قصر عنها بعد أن لا يكون قد بلغ الحلم. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهات كثيرة: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم ". ولم يفرق بين من بلغ خمس عشرة سنة وبين من لم يبلغها. وأما حديث ابن عمر: " أنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وله أربع عشرة سنة فلم يجز وعرض عليه