يكن مالكا لشيء قبل العقد وإن جاز ذلك لأنه يملك في المستقبل بعد العتق، فكذلك المكاتب يملك أكسابه بعقد الكتابة، ولوجب أيضا أن لا يجوز شرى الفقير لابنه بثمن حال لأنه لا يملك شيئا، وأن يعتق عليه إذا ملكه فلا يقدر على الأداء. فإن قلت إنه يملك أن يستقرض، قلنا في المكاتب مثله.
باب الكتابة من غير ذكر الحرية قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد ومالك بن أنس: " إذا كاتبه على ألف درهم ولم يقل إن أديت فأنت حر فهو جائز ويعتق بالأداء ". وقال المزني عن الشافعي:
" إذا كاتبه على مائة دينار إلى عشر سنين كذا كذا نجما فهو جائز ولا يعتق حتى يقول في الكتابة إذا أديت هذا فأنت حر، ويقول بعد ذلك إن قولي قد كاتبتك كان معقودا على أنك إذا أديت فأنت حر ".
قال أبو بكر: قوله تعالى: (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) يقتضي جوازها من غير شرط الحرية ويتضمن الحرية، لأن الله تعالى لم يقل فكاتبوهم على شرط الحرية، فدل على أن اللفظ يتضمنها كلفظ الخلع في تضمنه للطلاق ولفظ البيع فيما يتضمن من التمليك والإجارة فيما يقتضيه من تمليك المنافع والنكاح في اقتضائه تمليك منافع البضع، ويدل عليه أيضا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواقي فهو رقيق "، فأجاز الكتابة مطلقة على هذا الوجه من غير شرط حرية فيها، وإذا صحت الكتابة مطلقة من غير شرط حرية وجب أن يعتق بالأداء لأن صحة الكتابة تقتضي وقوع العتق بالأداء.
باب المكاتب متى يعتق قال أبو بكر: حكى أبو جعفر الطحاوي عن بعض أهل العلم أنه حكى عن ابن عباس: " أن المكاتب يعتق بعقد الكتابة وتكون الكتابة دينا عليه "، قال أبو جعفر: لم نجد لذلك إسنادا ولم يقل به أحد نعلمه. قال: وقد روى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي عليه دية عبد "، ورواه أيضا يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس. وقال ابن عمر وزيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة وإحدى الروايتين عن عمر: " أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ". وروي عن عمر: " أنه إذا أدى النصف فهو غريم ولا رق عليه ". وقال ابن مسعود: " إذا أدى ثلثا أو ربعا فهو غريم " وهو قول شريح. وروى إبراهيم عن عبد الله: " أنه إذا أدى قيمة رقبته فهو غريم ".