أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٨٠
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) [الطلاق: 1]، فحكم تعالى بطلاق النساء ولم يمنع ذلك عندك من طلاقها بعد البينونة ما دامت في العدة، فما أنكرت مثله في اللعان؟ قيل له: هذا سؤال ساقط من وجوه، أحدها: أن الله تعالى حين حكم بوقوع الطلاق على نساء المطلق لم ينف بذلك وقوعه على من ليست من نسائه بل ما عدا نسائه، فحكمه موقوف على الدليل في وقوع طلاقه أو نفيه، وقد قامت الدلالة على وقوعه في العدة، وأما اللعان فإنه مخصوص بالزوجات ولأن من عدا الزوجات فالواجب فيهن الحد بقوله: (والذين يرمون المحصنات) فكان موجب هذه الآية نافيا للعان، ومن أوجبه وأسقط حكم الآية فقد نسخها بغير توقيف وذلك باطل، ولذلك نفيناه إلا مع بقاء الزوجية. وأيضا فإن الله تعالى من حيث حكم بطلاق النساء فقد حكم بطلاقهن بعد البينونة بقوله: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) [البقرة: 229]، ثم عطف عليه قوله: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) [البقرة: 230]، فحكم بوقوع الطلاق بعد الفدية لأن " الفاء " للتعقيب، وليس معك آية ولا سنة في إيجاب اللعان بعد البينونة. وأيضا فجائز إثبات الطلاق من طريق المقاييس بعد البينونة، ولا يجوز إثبات اللعان بعد البينونة من طريق القياس، لأنه حد لا مدخل للقياس في إثباته. وأيضا فإن اللعان يوجب البينونة ولا يصح إثباتها بعد وقوع البينونة، فلا معنى لإيجاب لعان لا يتعلق به بينونة، إذ كان موضوع اللعان لقطع الفراش وإيجاب البينونة، فإذا لم يتعلق به ذلك فلا حكم له فجرى اللعان عندنا في هذا الوجه مجرى الكنايات الموضوعة للبينونة فلا يقع بها طلاق بعد ارتفاع الزوجية، مثل قوله: أنت خلية وبائن وبتة ونحوها، فلما لم يجز أن يلحقها حكم هذه الكنايات بعد البينونة وجب أن يكون ذلك حكم اللعان في انتفاء حكمه بعد وقوع الفرقة وارتفاع الزوجية، وليس كذلك حكم صريح الطلاق إذ ليس شرطه ارتفاع البينونة، ألا ترى أن الطلاق تثبت معه الرجعة في العدة ولو طلق الثانية بعد الأولى في العدة لم يكن في الثانية تأثير في بينونة ولا تحريم؟ وإنما أوجب نقصان العدد فلذلك جاز أن يلحقها الطلاق في العدة بعد البينونة لنقصان العدد لا لإيجاب تحريم ولا لبينونة. وأيضا فليس يجوز أن يكون وقوع الطلاق أصلا لوجوب اللعان، لأن الصغيرة والمجنونة يلحقهما الطلاق ولا لعان بينهما وبين أزواجهما.
واختلف أهل العلم فيمن قذف امرأته ثم طلقها ثلاثا، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد: إذا أبانت منه بعد القذف بطلاق أو غيره فلا حد عليه ولا لعان "، وهو قول الثوري. وقال الأوزاعي والليث والشافعي: " يلاعن ". وقال الحسن بن صالح: " إذا قذفها وهي حامل ثم ولدت ولدا قبل أن يلاعنها فماتت لزمه الولد وضرب الحد، وإن
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»