أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٨١
لاعن الزوج ولم يلتعن المرأة حتى تموت ضرب الحد وتوارثا، وإن طلقها وهي حامل وقد قذفها فوضعت حملها قبل أن يلاعنها لم يلاعن وضرب الحد ".
قال أبو بكر: قد بينا امتناع وجوب اللعان بعد البينونة، ثم لا يخلو إذا لم يجب اللعان من أن لا يجب الحد على ما قال أصحابنا أو أن يجب الحد على ما قال الحسن بن صالح، وغير جائز إيجاب الحد إذا لم يكن من الزوج إكذاب لنفسه، وأينا سقط اللعان عنه من طريق الحكم وصار بمنزلتها لو صدقته على القذف لما سقط اللعان من جهة الحكم لا بإكذاب من الزوج لنفسه لم يجب الحد.
فإن قيل: لو قذفها وهي أجنبية ثم تزوجها لم تنتقل إلى اللعان، كذلك إذا قذفها وهي زوجته ثم بانت لم يبطل اللعان. قيل له: حال النكاح قد يجب فيها اللعان وقد يجب فيه الحد، ألا ترى أنه لو أكذب نفسه وجب الحد في حال النكاح وغير حال النكاح لا يجب فيه اللعان بحال؟.
واختلف أهل العلم في الرجل ينفي حمل امرأته، فقال أبو حنيفة: " إذا قال ليس هذا الحمل مني لم يكن قاذفا لها، فإن ولدت بعد يوم لم يلاعن حتى ينفيه بعد الولادة "، وهو قول زفر. وقال أبو يوسف ومحمد: " إن جاءت به بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر لاعن ". وقد روي عن أبي يوسف: " أنه يلاعنها قبل الولادة ". وقال مالك والشافعي: " يلاعن بالحمل "، وذكر عنه الربيع: " أنه يلاعن حتى تلد ". وإنما يوجب أبو حنيفة اللعان بنفي الحمل لأن الحمل غير متيقن، وجائز أن يكون ريحا أو داء، وإذا كان كذلك لم يجز أن نجعله قذفا لأن القذف لا يثبت بالاحتمال، ألا نرى أن التعريض المحتمل للقذف ولغيره لا يجوز إيجاب اللعان ولا الحد به؟ فلما كان محتملا أن يكون ما نفاه ولدا واحتمل غيره لم يجز أن يوجب اللعان به قبل الوضع، ثم إذا وضعت لأقل من ستة أشهر تيقنا أنه كان حملا في وقت النفي لم يجب اللعان أيضا لأنه يوجب أن يكون القذف معلقا على شرط والقذف لا يجوز أن يعلق على شرط، ألا ترى أنه لو قال:
" إذا ولدت فأنت زانية " لم يكن قاذفا لها بالولادة؟.
واحتج من لاعن بالحمل بما روى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بالحمل "، وإنما أصل هذا الحديث ما رواه عيسى بن يونس وجرير جميعا عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود: " أن رجلا قال: أرأيتم إن وجد رجل مع امرأته رجلا فإن هو قتله قتلتموه وإن تكلم جلدتموه وإن سكت سكت عن غيظ! فأنزلت آية اللعان فابتلي به، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلاعن امرأته "، فلم يذكر في هذا الحديث الحمل ولا أنه لاعن بالحمل. وروى ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»