لا يجوز له أن يحكم لنفسه، فعلمنا أن المولى لا يملك استماع البينة على عبده بذلك ولا قطعه. وأيضا فإن المولى والأجنبي سواء في حد العبد والأمة، بدلالة أن إقراره به عليه غير مقبول وأن إقرار العبد على نفسه بذلك مقبول وإن جحده المولى، فلما كانا في ذلك في حكم الأجنبيين وجب أن يكون المولى بمنزلة الأجنبي في إقامة الحد عليه، وإنما جاز للحاكم أن يسمع البينة ويقيم الحد لأن قوله مقبول في ثبوت موجب الحد عنه فلذلك سمع البينة وحكم بالحد ز فإن قيل: يجوز إقرار الانسان على نفسه بما يوجب الحد ولا يملك مع ذلك إقامة الحد على نفسه. قيل له: إذا كان من يجوز إقراره على نفسه ولا يقيم الحد على نفسه فمن لا يجوز إقراره على عبده أحرى بأن لا يقيم الحد عليه.
فإن قيل: فلا نجعل قول الحاكم عليه علة جواز إقامة الحد عليه. قيل له: إن قول الحاكم: " قد ثبت عندي " لا يوجب عليه الحد وليس بإقرار منه، وإنما هو حكم، وكذلك البينة إذا قامت عنده فإنه يقيم الحد من طريق الحكم، فمن لا يقبل قول في الحكم فهو لا يملك سماع البينة ولا إقامة الحد.
فإن قيل: إن أبا حنيفة وأبا يوسف لا يقبلان قول الحاكم بما يوجب الحد لأنهما يقولان: " لا يحكم بعلمه في الحدود ". قيل له: ليس معنى ذلك أن قول الحاكم غير مقبول إذا قال: " ثبت ذلك عندي ببينة أو بإقرار " لأن من قولهما إن ذلك مقبول، وإنما معنى قولهما: " إنه لا يحكم بعلمه في الحدود " أنه لو شاهد رجلا على زنا أو سرقة أو شرب خمر لم يقم عليه الحد بعلمه، فأما إذا قال: " قد شهد عندي شهود بذلك " أو قال:
" أقر عندي بذلك " فإن قوله مقبول منه في ذلك ويسع من أمره الحاكم بالرجم والقطع أن يرجم ويقطع.
واحتج المخالف لنا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم "، وقوله: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها وإن عادت فليجلدها وإن عادت فليجلدها ولا يثرب عليها، فإن عادت فليبعها ولو بضفير "، وقد روي في بعض ألفاظ هذا الحديث: " فليقم عليها الحد "، قال أبو بكر: لا دلالة في هذه الأخبار على ما ذهبوا إليه، وذلك لأن قوله: " أقيموا الحدود على ما مبكت أيمانكم " هو كقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) [المائدة: 38]، وقوله: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)، ومعلوم أن المراد رفعه إلى الإمام لإقامة الحد، فالمخاطبون بإقامة الحد هم الأئمة وسائر الناس مخاطبون برفعهم إليهم حتى يقيموا عليهم الحدود، فكذلك