وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا نفى ولدها أنه يلاعن ويلزم الولد أمه وينتفي نسبه من أبيه، إلا أنهم اختلفوا في وقت نفي الولد على ما ذكرنا، وفي خبر ابن عمر الذي ذكرنا في أن رجلا انتفى من ولدها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالأم دليل على أن نفي ولد زوجته من قذف لها لولا ذلك لما لاعن بينهما، إذ كان اللعان لا يجب إلا بالقذف، وأما توقيت نفي الولد فإن طريقة الاجتهاد وغالب الظن فإذا مضت مدة قد كان يمكنه فيها نفي الولد وكان منه قبول للتهنئة أو ظهر منه ما يدل على أنه غير ناف له لم يكن له بعد ذلك أن ينفيه عند أبي حنيفة، وتحديد الوقت ليس عليه دلالة فلم يثبت، واعتبر ما ذكرنا من ظهور الرضا بالولد ونحوه.
فإن قيل: لما لم يكن سكوته في سائر الحقوق رضا بإسقاطها كان كذلك نفي الولد. قيل له: قد اتفق الجميع على أن السكوت في ذلك إذا مضت مدة من الزمان بمنزلة الرضا بالقول، إلا أنهم اختلفوا فيها، وأكثر من وقت فيها أربعين يوما، وذلك لا دليل عليه، وليس اعتبار هذه المدة بأولى من اعتبار ما هو أقل منها. وذهب أبو يوسف ومحمد إلى أن الأربعين هي مدة أكثر النفاس، وحال النفاس هذا حال الولادة، فما دامت على حال الولادة قبل نفيه. وهذا ليس بشئ، لأن نفي الولد لا تعلق له بالنفاس. وأما قول مالك: " إنه إذا رآها حاملا فلم ينتف منه ثم نفاه بعد الولادة فإنه يجلد الحد " فإنه قول واه لا وجه له من وجوه، أحدها: أن الحمل غير متيقن فيعتبر نفيه، والثاني: أنه ليس بآكد ممن ولدت امرأته ولم يعلم بالحمل فعلم به وسكت زمانا يلزمه الولد، وإن نفاه بعد ذلك لاعن ولم ينتف نسب الولد منه، إذ لم تكن صحة اللعان متعلقة بنفي الولد ولم يكن منه إكذاب لنفسه بعد النفي، فكيف يجوز أن يجلد! وأيضا قوله تعالى:
(والذين يرمون أزواجهم) الآية، فأوجب اللعان بعموم الآية على سائر الأزواج فلا يخص منه شيء إلا بدليل، ولم تقم الدلالة فيما اختلفنا فيه من ذلك على وجوب الحد وسقوط اللعان.
باب الرجل يطلق امرأته طلاقا بائنا ثم يقذفها قال أصحابنا فيمن طلق امرأته ثلاثا ثم قذفها: " فعليه الحد " وكذلك إن ولدت ولدا قبل انقضاء عدتها فنفى ولدها فعليه الحد والولد ولده. وقال ابن وهب عن مالك: " إذا بانت منه ثم أنكر حملها لاعنها إن كان حملها يشبه أن يكون منه، وإن قذفها بعد الطلاق الثلاث وهي حامل مقر بحملها ثم زعم أنه رآها تزني قبل أن يقاذفها حد ولم يلاعن، وإن أنكر حملها بعد أن يطلقها ثلاثا لاعنها ". وقال الليث: " إذا أنكر حملها بعد البينونة