أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٩١
بحال، لأن اللعان ليس بصريح ولا كناية عن الفرقة، ولو تلاعنا في بيتهما لم يوجب فرقة، فكذلك عند الحاكم، ولأن اللعان في الأزواج قائم مقام الحد على قاذف الأجنبيات، ولو حد الزوج في قذفه إياها بأن أكذب نفسه أو كان عبدا لم يوجب ذلك فرقة، وكذلك إذا لاعن. وذهب في تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين أن ذلك إنما كان في قصة العجلاني وكان طلقها ثلاثا بعد اللعان، فلذلك فرق بينهما. وروى ابن شهاب أن سهل بن سعد قال: " فطلقها العجلاني ثلاث تطليقات بعد فراغهما من اللعان فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وحديث ابن عمر أيضا إنما هو في قصة العجلاني. قال أبو بكر: في حديث سهل بن سعد أنه قال: " فحضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني قصة العجلاني - فمضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا "، فأخبر سهل وهو راوي هذه القصة أن السنة مضت بالتفريق وإن لم يطلق الزوج، وفي حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بينهما. قال أبو بكر: وهلال لم يطلق امرأته، فثبت أن التفريق بينهما بعد اللعان واجب. وأيضا في حديث ابن عمر وغيره في قصة العجلاني أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما، وجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما ثم طلقها هو ثلاثا فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه قال: " لا سبيل لك عليها " باب نكاح الملاعن للملاعنة قال أبو حنيفة ومحمد: " إذا أكذب الملاعن نفسه وجلد الحد أو جلد حد القذف في غير ذلك وصارت المرأة بحال لا يجب بينها وبين زوجها إذا قذفها لعان، فله أن يتزوجها "، وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب وإبراهيم والشعبي وسعيد بن جبير.
وقال أبو يوسف والشافعي: " لا يجتمعان أبدا "، وروي عن علي وعمر وابن مسعود مثل ذلك. وهذا محمول عندنا على أنهما لا يجتمعان ما داما على حال التلاعن. وروي عن سعيد بن جبير: " أن فرقة اللعان لا تبينها منه، وأنه إذا أكذب نفسه في العدة ردت إليه امرأته "، وهو قول شاذ لم يقل به أحد غيره، وقد مضت السنة ببطلانه حين فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين، والفرقة لا تكون إلا مع البينونة. ويحتج للقول الأول بعموم الآي المبيحة لعقود المناكحات، نحو قوله: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء 24] وقوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) [النساء: 3] وقوله: (فأنكحوا الأيامى منكم) [النور: 32]. ومن جهة النظر أنا قد بينا أن هذه الفرقة متعلقة بحكم الحاكم، وكل فرقة تعلقت بحكم الحاكم فإنها لا توجب تحريما مؤبدا، والدليل على ذلك أن سائر الفرق التي تتعلق بحكم الحاكم لا يوجب تحريما مؤبدا مثل فرقة العنين وخيار الصغيرين
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»