أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٨٣
أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته، فقال له:
" هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: " ما ألوانها؟ " قال: حمر، قال: " هل فيها من أورق؟ " قال: نعم، قال: " فأنى ترى ذلك جاءها؟ " قال: عرق نزعها، قال: " فلعل هذا عرق نزعه "، فلم يرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم نفيه عنه لبعد شبهه منه. ويدل أيضا على أنه لا يجوز نفي النسب بالشبهة.
فصل وقال أصحابنا: " إذا نفى نسب ولد زوجته فعليه اللعان ". وقال الشافعي: " لا يجب اللعان حتى يقول إنها جاءت به من الزنا ". قال أبو بكر: حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر: " أن رجلا لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة "، فأخبر أنه لاعن بينهما لنفيه الولد، فثبت أن نفي ولدها قذف يوجب اللعان.
أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال أصحابنا: " شهادتهم جائزة ويقام الحد على المرأة ". وقال مالك والشافعي:
" يلاعن الزوج ويحد الثلاثة "، وروي نحو قولهما عن الحسن والشعبي. وروي عن ابن عباس: " أن الزوج يلاعن ويحد الثلاثة ".
قال أبو بكر: قال الله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) [النساء: 15] ولم يفرق بين كون الزوج فيهم وبين أن يكونوا جميعا أجنبيين، وقال: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة)، فإذا قذف الأجنبي امرأة وجاء بأربعة أحدهم الزوج اقتضى الظاهر جواز شهادتهم وسقوط الحد عن القاذف وإيجابه عليها. وأيضا لا خلاف أن شهادة الزوج جائزة على امرأته في سائر الحقوق وفي القصاص وفي سائر الحدود من السرقة والقذف والشرب، فكذلك يجب أن تكون في الزنا.
فإن قيل: الزوج يجب عليه اللعان إذا قذف امرأته فلا يجوز أن يكون شاهدا. قيل له: إذا جاء مجيء الشهود مع ثلاثة غيره فليس بقذف ولا لعان عليه، وإنما يجب اللعان عليه إذا قذفها ثم لم يأت بأربعة شهداء، كالأجنبي إذا قذف وجب عليه الحد إلا أن يأتي بأربعة غيره يشهدون بالزنا، ولو جاء مع ثلاثة فشهدوا بالزنا لم يكن قاذفا وكان شاهدا، فكذلك الزوج.
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»