أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٧٤
الفسق في سقوطه، وأما الأعمى فإنه من أهل الشهادة كالبصير لا فرق بينهما، إلا أن شهادته غير مقبولة في الحقوق لأن بينه وبين المشهود عليه حائلا، وليس شرط شهادة اللعان أن يقول: " رأيتها تزني " إذ لو قال: " هي زانية ولم أر ذلك " لاعن، فلما لم يحتج إلى الإخبار عن معاينة المشهود به لم يبطل لعانه لأجل عماه. وقد روي في معنى مذهب أصحابنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار، منها ما حدثنا عبد الباقي بن قانع: قال حدثنا أحمد بن داود السراج قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا عتاب بن إبراهيم عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من النساء ليس بينهن وبين أزواجهن ملاعنة: اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحرة تحت المملوك والمملوكة تحت الحر "، وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا أحمد بن حمويه بن سيار قال:
حدثنا أبو سيار التستري قال: حدثنا الحسن بن إسماعيل عن مجالد المصيصي قال:
أخبرنا حماد بن خالد عن معاوية بن صالح عن صدقة أبي توبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع ليس بينهن ملاعنة: اليهودية والنصرانية تحت المسلم والمملوكة تحت الحر والحرة تحت المملوك ". فإن قيل: اللعان إنما يجب في نفي الولد لئلا يلحق به نسب ليس منه وذلك موجود في الأمة وفي الحرة. قيل له: لما دخل في نكاح الأمة لزمه حكمه، ومن حكمه أن لا ينتفي منه نسب ولدها كما لزمه حكمه في رق ولده.
باب القذف الذي يوجب اللعان قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة " الآية. ولا خلاف بين الفقهاء أن المراد به قذف الأجنبيات المحصنات بالزنا سواء قال: " زنيت " أو قال: " رأيتك تزنين "، ثم قال تعالى: (والذين يرمون أزواجهم)، ولا خلاف أيضا أنه قد أريد به رميها بالزنا. ثم اختلف الفقهاء في صفة القذف الموجب للعان، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والشافعي: " إذا قال لها يا زانية وجب اللعان ". وقال مالك بن أنس: " لا يلاعن إلا أن يقول رأيتك تزنين أو ينفي حملا بها أو ولدا منها، والأعمى يلاعن إذا قذف امرأته ". وقال الليث: " لا تكون ملاعنة إلا أن يقول رأيت عليها رجلا أو يقول قد كنت استبرأت رحمها وليس هذا الحمل مني ويحلف بالله علي ما قال ". وقال عثمان البتي: " إذا قال رأيتها تزني لاعنها وإن قذفها وهي بخراسان وإنما تزوجها قبل ذلك بيوم لم يلاعن ولا كرامة ".
قال أبو بكر: ظاهر الآية يقتضي إيجاب اللعان بالقذف سواء قال رأيتك تزنين أو
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»