مكلفين للإتيان بغيرهم في صحة قذفهم.
فإن قيل: قد روي أن نافع بن الحارث كتب إلى عمر رضي الله عنه: أن أربعة جاؤوا يشهدون على رجل وامرأة بالزنا، فشهد ثلاثة أنهم رأوه كالميل في المكحلة ولم يشهد الرابع بمثل ذلك، فكتب إليه عمر: إن شهد الرابع على مثل ما شهد عليه الثلاثة فاجلدهما، وإن كانا محصنين فارجمهما، وإن لم يشهد إلا بما كتبت به إلي فاجلد الثلاثة وخل سبيل الرجل والمرأة. وهذا يدل على أنه لو شهد مع الثلاثة آخر أنهم لا يحدون وقبلت شهادتهم مع كون الثلاثة بديا منفردين. قيل له: ليس في ذلك دلالة على ما ذكرت، وذلك لأن الرجل الذي لم يشهد بما شهد به الآخرون لم ينفرد عنهم بل جاؤوا مجتمعين مجيء الشهادة، وجائز أن يكون الجميع شهدوا بالزنا فلما استثبتوا بالرجل أن يصرح بما صرح به الثلاثة فأمر عمر بأن يوقف الرجل، فإن أتى بالتفسير على ما أتى به القوم حد المشهود عليهما، وإن هو لم يأت بالتفسير أبطل شهادته وجعل الثلاثة منفردين فحدهم، ولم يقل عمر إن جاء رابع فشهد معهم فاقبل شهادتهم فيكون قابلا لشهادة الثلاثة المنفردين مع واحد جاء بعدهم، وقد جلد أبا بكرة وأصحابه لما نكل زياد عن الشهادة ولم يقل لهم ائتوا بشاهد آخر يشهد بمثل شهادتكم، وكان ذلك بحضرة الصحابة فلم ينكره عليه أحد منهم، ولو كان قبول شهادة شاهد واحد منهم لو شهد معهم جائزا لوقف الأمر واستثبتهم وقال هل يشهد بمثل شهادتكم شاهد آخر؟ وإذا لم يقل ذلك ولم يوقف أمرهم بما عزم عليه من حدهم دل على أنهم قد صاروا قذفة قد لزمهم الحد وأنه لم يكن يبرئهم من الحد إلا شهادة أربعة آخرين.
فإن قيل: فهو لم يقل لهم هل معكم أربعة يشهدون بمثل شهادتكم ولم يوقف أمر الحد عليهم لجواز ذلك، فكذلك في الشاهد الواحد لو شهد بمثل شهادتهم. قيل له:
لأنه لم يكن يخفى عليهم أنهم لو جاؤوا بأربعة آخرين يشهدون لهم بذلك لكانت شهادتهم مقبولة وكان الحد عنهم زائلا، فلو كانوا قد علموا أن هناك شهودا أربعة يشهدون بذلك لسألوه التوقيف، فلذلك لم يحتج أن يعلمهم ذلك، وأما الشاهد الواحد لو شهد معه فإنه جائز أن يخفى حكمه عليهم في جواز شهادته معهم أو بطلانها، فلو كان ذلك مقبولا لوقفهم عليه وأعلمهم إياه حتى يأتوا به إن كان.
فيمن يقيم الحد على المملوك قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد: " يقيمه الإمام دون المولى وذلك في سائر الحدود "، وهو قول الحسن بن صالح. وقال مالك: " يحده المولى في الزنا وشرب