أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٩٦
الذي تقذفه الرحم ليس بحمل، ولم يفرق منه بين ما كان مجتمعا علقة أو سائلا، وفي ذلك دليل على أن ما لم يظهر فيه شيء من خلق الانسان فليس بحمل وأن العدة لا تنقضي به إذ ليس هو بولد، كما أن العلقة والنطفة لما لم تكونا ولدا لم تنقض بهما العدة. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان عن الأعمش قال: حدثنا زيد بن وهب قال: حدثنا عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وعمله ثم يكتب شقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح ". فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكون أربعين يوما نطفة وأربعين يوما علقة وأربعين يوما مضغة، ومعلوم أنها لو ألقته علقة لم يعتد به ولم تنقض به العدة وإن كانت العلقة مستحيلة من النطفة إذ لم تكن له صورة الانسانية، وكذلك المضغة إذا لم تكن لها صورة الانسانية فلا اعتبار بها وهي بمنزلة العلقة والنطفة. ويدل على ذلك أيضا أن المعنى الذي به يتبين الانسان من الحمار وسائر الحيوان وجوده على هذا الضرب من البنية والشكل والتصوير، فمتى لم يكن للسقط شيء من صورة الانسان فليس ذلك بولد وهو بمنزلة العلقة والنطفة سواء فلا تنقضي به العدة لعدم كونه ولدا وأيضا فجائز أن يكون ما أسقطته مما لا تتبين له صورة الانسان دما مجتمعا أو داء أو مدة، فغير جائز أن نجعله ولدا تنقضي به العدة، وأكثر أحواله احتماله لأن يكون مما كان يجوز أن يكون ولدا ويجوز أن لا يكون ولدا فلا نجعلها منقضية العدة به بالشك، وعلى أن اعتبار ما يجوز أن يكون منه ولدا أو لا يكون منه ولدا ساقط لا معنى له إذ لم يكن ولدا بنفسه في الحال، لأن العلقة قد يجوز أن يكون منها ولد وكذلك النطفة وقد تشتمل الرحم عليهما وتضمهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن النطفة تمكث أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة "، ومع ذلك لم يعتبر أحد العلقة في انقضاء العدة.
وزعم إسماعيل بن إسحاق أن قوما ذهبوا إلى أن السقط لا تنقضي به العدة ولا تعتق به أم الولد حتى يتبين شيء من خلقه يدا أو رجلا أو غير ذلك، وزعم أن هذا غلط لأن الله أعلمنا أن المضغة التي هي غير مخلقة قد دخلت فيما ذكر من خلق الناس كما ذكر المخلقة، فدل ذلك على أن كل شيء يكون من ذلك إلى أن يخرج الولد من بطن أمه فهو حمل، وقال تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) [الطلاق: 4].
والذي ذكره إسماعيل إغفال منه لمقتضى الآية، وذلك لأن الله لم يخبر أن العلقة
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»