الاستيلاد في الأم، وقد لا يكون من مائه فيرثه إذا كان منسوبا إليه بالفراش، ألا ترى أنها لو جاءت بولد من الزنا لم يلحق نسبه بالزاني وكان ابنا لصاحب الفراش؟ فالميراث إنما يتعلق حكمه بثبوت النسب منه لا بأنه من مائه، ألا ترى أن ولد الزنا لا يرث الزاني لعدم ثبوت النسب وإن كان من مائه؟ فعلمنا بذلك أن ثبوت الميراث ليس بمتعلق بكونه ولدا من مائه دون حصول النسبة إليه من الوجه الذي ذكرنا.
قال إسماعيل: فإن قيل إنما ورث أباه لأنه من ذلك الأصل حين صار حيا يرث ويورث. قيل له: فلا ينبغي أن تنقضي به العدة وإن تم خلقه حتى يخرج حيا.
قال أبو بكر: وهذا تخليط وكلام في هذه المسألة من غير وجهه، وذلك لأن خصمه لم يجعل وجوب الميراث علة لانقضاء العدة وكون الأم به أم ولد، وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين لأن الولد الميت عندهم جميعا تنقضي به العدة ولا يرث، وقد يرث الولد ولا تنقضي به العدة إذا كان في بطنها ولدان فوضعت أحدهما ورث هذا الولد من أبيه ولا تنقضي به العدة حتى تضع الولد الآخر، فإن وضعته ميتا لم يرثه وانقضت العدة به، فلما كان الميراث قد يثبت للولد ولا تنقضي به العدة بوضعه وقد تنقضي به العدة ولا يرث علمنا أن أحدهما ليس بأصل للآخر ولا يصح اعتباره به.
ثم قال إسماعيل: فإن قيل إنه حمل ولكنا لا نعلم ذلك، قيل له: لا يجوز أن يتعبد الله بحكم لا سبيل إلى علمه، والنساء يعرفن ذلك ويفرقن بين لحم أو دم سقط من بدنها أو رحمها وبين العلقة التي يكون منها الولد، ولا يلتبس على جميع النساء لحم المرأة ودمها من العلقة بل لا بد من أن يكون فيهن من يعرف، فإذا شهدت امرأتان أنها علقة قبلت شهادتهما، وقد قال الشافعي أيضا أنها إذا أسقطت علقة أو مضغة لم تستبن شيء من خلقه فإنه يرى النساء فإن قلن كان يجيء منها الولد لو بقيت انقضت به العدة ويثبت بها الاستيلاد، وإن قلن لا يجيء من مثلها ولد لم تنقض به العدة ولم يثبت به الاستيلاد.
وعسى أن يكون إسماعيل إنما أخذ ما قال من ذلك عن الشافعي، وهو من أظهر الكلام استحالة وفسادا، وذلك لأنه لا يعلم أحد الفرق بين العلقة التي يكون منها الولد وبين مالا يكون منها الولد إلا أن يكون قد شاهد علقا كان منه الولد وعلقا لم يكن منه الولد فيعرف بالعبادة الفرق بين ما كان منه ولد وبين ما لم يكن معه ولد بعلامة توجد في أحدهما دون الآخر في مجرى العادة وأكثر الظن، كما يعرف كثير من الأعراب السحابة التي يكون منها المطر والسحابة التي لا يكون منها المطر وذلك بما قد عرفوه من العلامات التي لا تكاد تخلف في الأعم الأكثر، فأما العلقة التي كان منها الولد فمستحيل أن يشاهدها انسان قبل كون الولد منها متميزة من العلقة التي لم يكن منها ولد، وذلك