أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٨٥
المسيب قالوا: " السجدة على من سمعها ". وروى أبو إسحاق عن سليمان بن حنظلة الشيباني قال: قرأت عند ابن مسعود سجدة فقال: " إنما السجدة على من جلس لها "، وروى سعيد بن المسيب عن عثمان مثله. قال أبو بكر: قد أوجبا السجدة على من جلس لها، ولا فرق بين أن يجلس للسجدة بعد أن يكون قد سمعها، إذ كان السبب الموجب لها هو السماع، ثم لا يختلف حكمها في الوجوب بالنية، وفي هذه الآية دلالة أيضا على أن البكاء في الصلاة من خوف الله لا يفسدها.
قوله تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا). فيه الدلالة على أن ملك الوالد لا يبقى على ولده فيكون عبدا له يتصرف فيه كيف شاء وأنه يعتق عليه إذا ملكه، وذلك لأنه تعالى فرق بين الولد والعبد، فنفى بإثباته العبودية النبوة. وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه بالشرى "، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: " الناس غاديان فبائع نفسه فموبقها ومشتر نفسه فمعتقها "، ولم يرد بذلك أن يبتدىء لنفسه عتقا بعد الشرى، وإنما معناه: معتقها بالشرى، فكذلك قوله: " فيشتريه فيعتقه "، وهو كقوله: " فيشتريه فيملكه " وليس المراد منه استيناف ملك آخر بعد الشرى بل يملكه بالشرى. ويدل على أنه يعتق عليه بنفس الشرى أن ولد الحر من أمته حر الأصل ولا يحتاج إلى استيناف عتق، وكذلك المشتري لابنه، لأنه لو احتاج المشتري لابنه إلى استيناف عتق لاحتاج إليه أيضا الابن المولود من أمته إذ كانت الأمة مملوكة.
فإن قيل: إن ولد أمته منه حر الأصل فلم يحتج من أجل ذلك إلى استيناف عتق، والولد المشترى مملوك فلا يعتق بالشرى حتى يستأنف له عتقا. قيل له: اختلافهما من هذا الوجه لا يمنع وجه الاستدلال منه على ما وصفنا في أن الانسان لا يبقى له ملك على ولده وأنه واجب أن يعتق عليه إذا ملكه، وذلك لأنه لو جاز له أن يبقى له ملك على ولده لوجب أن يكون ولده من أمته رقيقا إلى أن يعتقه. وإنما اختلف الولد والمولود من أمته والولد المشترى في كون الأول حر الأصل وكون الآخر معتقا عليه ثابت الولاء منه، من قبل أن الولد المشترى قد كان ملكا لغيره فلا بد إذا اشتراه من وقوع العتاق عليه حتى يستقر ملكه، إذ غير جائز إيقاع العتق في ملك بائعه لأنه لو وقع العتاق في ملكه لبطل البيع لأنه بعد العتق، ولا يصح أيضا وقوعه في حال البيع لأن حصول العتق ينفي صحة البيع في الحال التي يقع فيها فوجب أن يعتق في الثاني من ملكه، ولا يصح أيضا وقوع العتاق في حال الملك لأنه يكون إيقاع عتق لا في ملك فلذلك وجب أن يعتق في الثاني من ملكه، وأما الولد المولود في ملكه من جاريته فإنا لو أثبتنا له ملكا فيه كان هو
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»