مملوك، وأما إجارة البيوت فإنما أجازها أبو حنيفة إذا كان البناء ملكا للمؤاجر فيأخذ أجرة ملكه، فأما أجرة الأرض فلا تجوز، وهو مثل بناء الرجل في أرض لآخر يكون لصاحب البناء إجارة البناء.
وقوله: (العاكف فيه والباد) روي عن جماعة من السلف أن العاكف أهله والبادي من غير أهله.
قوله تعالى: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم)، فإن الإلحاد هو الميل عن الحق إلى الباطل، وإنما سمي اللحد في القبر لأنه مائل إلى شق القبر، قال الله تعالى: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) [الأعراف: 180]، وقال: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي) [النمل: 103] أي لسان الذي يؤمنون إليه. و " الباء " في قوله: (بإلحاد) زائدة، كقوله: (تنبت بالدهن) [المؤمنون: 20] أي تنبت الدهن، وقوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم) [آل عمران: 159]. وروي عن ابن عمر أنه قال: " ظلم الخادم فما فوقه بمكة إلحاد ". وقال عمر: " إحتكار الطعام بمكة إلحاد ". وقال غيره: " الإلحاد بمكة الذنوب ". وقال الحسن: " أراد بالإلحاد الإشراك بالله ".
قال أبو بكر: الإلحاد مذموم لأنه اسم للميل عن الحق ولا يطلق في الميل عن الباطل إلى الحق، فالإلحاد اسم مذموم، وخص الله تعالى الحرم بالوعيد في الملحد فيه تعظيما لحرمته. ولم يختلف المتأولون للآية أن الوعيد في الإلحاد مراد به من ألحد في الحرم كله وأنه غير مخصوص به المسجد، وفي ذلك دليل على أن قوله: (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد) قد أريد به الحرم، لأن قوله: (ومن يرد فيه بإلحاد) هذه " الهاء " كناية عن الحرم وليس للحرم ذكر متقدم إلا قوله:
(والمسجد الحرام)، فثبت أن المراد بالمسجد ههنا الحرم كله. وقد روى عمارة بن ثوبان قال: أخبرني موسى بن زياد قال: سمعت يعلى بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" احتكار الطعام بمكة إلحاد ". وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: " بيع الطعام بمكة إلحاد، وليس الجالب كالمقيم ". وليس يمتنع أن يكون جميع الذنوب مرادا بقوله:
(بإلحاد بظلم) فيكون الاحتكار من ذلك وكذلك الظلم والشرك، وهذا يدل على أن الذنب في الحرم أعظم منه في غيره. ويشبه أن يكون من كره الجوار بمكة ذهب إلى أنه لما كانت الذنوب بها تتضاعف عقوبتها آثروا السلامة في ترك الجوار بها مخافة مواقعة الذنوب التي تتضاعف عقوبتها. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يلحد بمكة رجل عليه مثل نصف عذاب أهل الأرض ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم ورجل قتل غير قاتله ورجل قتل بذحول الجاهلية ".